ريم هاني (الأخبار)
رغم محاولة البعض التقليل من تبعات زيارة رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الأخيرة إلى واشنطن، على صناع السياسة في تل أبيب، والإيحاء بأنها تهدف إلى "تنسيق" المواقف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونتنياهو، إلا أن المعطيات تشير، بشكل متزايد، إلى أنّ اللقاء الأحدث بين المسؤولَين رسّخ محاولة ترامب فرض "سلطته المطلقة" وإن على أقرب حلفائه، بعدما عمد إلى "إملاء" خططه على حليفه الإسرائيلي، مطالبًا إياه، بوضوح، بعدم التفكير حتّى في "عرقلتها".
وفي هذا السياق، تنقل مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية عن ديبلوماسي "إسرائيلي" قوله إنّ "ترامب حدد خلال الزيارة خطًا أحمر لنتنياهو"، يتمثل بضرورة ألا يقدم الأخير على إفساد "خططه"، بعدما أعلن الرئيس الأميركي أنّ التعرفات على الصادرات الإسرائيلية ستظل سارية المفعول، مشيدًا، كذلك، بنظيره التركي، رجب طيب أروغان، ومعلنًا أنّ الولايات المتحدة ستبدأ "محادثات مباشرة" مع إيران في الـ12 من الجاري. وفي معرض تقييمها لما جرى في البيت الأبيض، تلفت المجلة إلى أنّ الزيارة كانت "أقرب إلى جنازة منها إلى حفل زفاف"، مضيفة أنّه رغم أنّها لم تكن بمستوى "الإذلال العلني نفسه الذي واجهه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في شباط، إلا أنّها لم تكن، في الوقت نفسه، أفضل بكثير منه".
ووسط تضارب في المعطيات المحيطة بالمفاوضات بين طهران وواشنطن، لا سيما حول شكلها، وما إذا كانت مباشرة أم عبر وساطة عمانية، فقد أكد كلا الطرفين أنّها ستُعقد فعلًا، في ما تبقى النقطة الأهم، طبقًا لمراقبين، هي مدى إمكانية أن تثمر نتائج فعلية تجنب الشرق الأوسط "حربًا كارثية جديدة"، لا سيما أنّ "ضيق الوقت"، وتمسك واشنطن بسياسة "الترهيب والضغط"، يسهمان في تعقيد هذا المسار.
ومن جملة التعقيدات الأخرى التي تحيط بالمفاوضات، التصريحات "المتضاربة" الصادرة، كالعادة، من مسؤولي إدارة ترامب حول "شروط" التفاوض مع إيران؛ إذ في ما أكد مايك والتز، مستشار الأمن القومي الأميركي، أنه يفضل "اتفاقية تشمل تفكيك المنشآت النووية الإيرانية"، وهو طرح يتسق مع وجهة نظر نتنياهو، الذي دعا إلى صفقة "على طريقة ليبيا"، وافقت بموجبها الأخيرة، عام 2003، على تفكيك برنامجها النووي الناشئ، قبل أن تتم الإطاحة، في وقت لاحق، بالرئيس معمر القذافي، فقد أكّد مبعوث ترامب لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي ستكون مهمّة ترؤس الوفد التفاوضي مع طهران منوطة به في المستقبل القريب، خلال مقابلة مع المذيع تاكر كارلسون، أنّ هدفه يتمثل بـ"خلق برنامج تَحقق، كي لا يقلق أحد بشأن قضية التسلح" بعد الآن.
وطبقًا لمراقبين، فإنّ هدف ويتكوف هو الأكثر "عقلانية"، ويحظى، على ما يبدو، بدعم من ترامب والجمهوريين الذين يؤيدون النزعة "الانعزالية"، ولا يريدون، بالتالي، الانخراط في حرب أخرى في الشرق الأوسط. وبالتوازي، يروج الإعلاميون المعروفون بتأييدهم لترامب، بما في ذلك كارلسون، لفكرة أنّ كلّ من "يدافع عن اندلاع صراع مع إيران ليس حليفًا للولايات المتحدة، بل عدو". واللافت، أنّ مثل تلك التصريحات من الداخل الأميركي تأتي في وقت تشي فيه المواقف الرسمية الإسرائيلية بأنّ حكومة نتنياهو لا تزال منحازة إلى الخيار العسكري ضدّ طهران.
على أنّ وجود "النية" الفعلية للتفاوض لن تكون، طبقًا لمراقبين، كافية لإيجاد حل للنقاط العدة العالقة بين طهران وواشنطن، لا سيما أنّ الضغط الذي دأبت الأخيرة على ممارسته، سواء عبر التهديدات العلنية، أو زيادة تعزيزاتها العسكرية في المنطقة، قد "يعقّد" أي مفاوضات مستقبلية، بدلًا من الدفع قدمًا في اتّجاهها.
وفي هذا السياق، تنقل مجلة "نيويورك تايمز" الأميركية عن سوزان مالوني، الخبيرة الإيرانية ومديرة "برنامج السياسة الخارجية" في "معهد بروكينغز"، قولها إنّها "قلقة جدًا"، لا سيما أنّ ترامب يعتمد "تكتيكًا تفاوضيًا قائمًا على التهديد"، مشيرةً إلى أنّ هذا التكتيك لا يمكن أن يكون بديلًا من صياغة "سياسة جادة تجاه إيران".
كذلك، يلفت مراقبون إلى أنّ الحشد العسكري الأميركي "يُضيّق" الوقت أمام التوصل إلى اتفاق؛ إذ إنّه عقب نشر قاذفات "B - 2" في المحيط الهندي، بالتوازي مع توجه حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة، بدأ يظهر أن هذا الانتشار "المكلف" للقوات الأميركية، "لا يمكن الحفاظ عليه لمدة طويلة". وفي المقابل، فإنّ تخفيض الحشد العسكري، قبل تحقيق واشنطن لأهدافها، سيوحي للإيرانيين بأنّ الولايات المتحدة غير مصممة فعليًا على شنّ أي ضربة، ما قد يدفع "إسرائيل" "إلى القيام بذلك بمفردها".
وبناء على ما تقدم، تنقل "نيويورك تايمز" عن مدير "مشروع إيران" لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، علي فايز، قوله إنّه رغم المؤشرات الإيجابية الأخيرة، فإنّ صناع السياسة في طهران "متشككون" في إمكانية التوصل إلى صفقة مع ترامب، وإن "هناك مؤشرات تدل على أنّ الإيرانيين يستعدون للحرب"، بما في ذلك عبر بذل المزيد من الجهود لـ"زيادة التماسك الاجتماعي". وفي ما ينظر البعض، في "تل أبيب" وواشنطن، على الأرجح، إلى إيران على أنّها "أصبحت ضعيفة عسكريًا"، على خلفية الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، يحذر الخبير نفسه من "الثقة المفرطة"، لافتًا إلى أنّه حتّى في حال "ضعُف موقف إيران، إلا أنّ الأخيرة ليست ضعيفة". ويضاف إلى ذلك أنّ إيران لا تريد، طبقًا للمصدر نفسه، إعطاء "شرعية" لاستخدام الضغط كـ"أداة لنزع التنازلات"، لا سيما أنّه "بالنسبة إلى المرشد الأعلى الإيراني، فإنّ الشيء الوحيد الأكثر خطورة من العقوبات الأميركية، هو الاستسلام لها".