فيصل الأشمر (الأخبار)
فخامة رئيس الجمهورية
تحية وبعد،
المرة الأولى التي شاهدت فيها آلية لجيشنا الوطني في قريتي الحدودية عديسة، كانت في سبعينيات القرن الماضي، كانت آلية مدولبة، ولا أذكر لماذا كانت تقف في ساحة قريتنا، قرب مبنى مدرستنا الصغير. بعد ذلك صرت أرى يوميًّا تقريبًا آليات جيش العدو وجيش عميله سعد حداد ثم أنطوان لحد.
في تلك الأيام كنت أحلم بأن يكون لديّ علَم لبناني حقيقي، أعلقه على سطح بيتنا أو على الشرفة، وكم رسمت ذلك العلم على دفاتري، وعلقت ما رسمته على جدران منزلنا، بانتظار أن أحمل العلَم الحقيقي. وقد جاء ذلك اليوم، يومَ كنت أسهر في منزل خالي في الوتوات، بعد مجيئي إلى بيروت من أجل الدراسة الجامعية، وقد غامرت بتسلّق عمود الكهرباء لكي أنتزع العلم عنه وأحمله منتصرًا فرِحًا سعيدًا.
فخامة الرئيس،
من واجبك وواجب كل مسؤول رسمي كيل المديح للجيش الوطني العزيز، ومن واجبنا نحن أن نفعل ذلك، وإن كان واجبنا يختلف عن واجبك، فنحن إذا مدحنا لسنا مضطرين إلى المجاملة الرسمية، ولا واجب يملي علينا ذلك، نحن المواطنون نمدح الجيش ونشكره، ونحن نشفق عليه مما يعانيه من السياسيين أولًا، ثم مما يعانيه من ظروف اقتصادية وأوضاع سياسية تؤثر على عمله، وقبل كل شيء وبعد كل شيء، مما يعانيه من حرمانه من التسليح الذي يحتاج إليه لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وغيرها.
فخامة الرئيس،
أنت مضطر إلى القول إن الدولة هي التي تحمي لبنان، والدولة هنا تعني الجيش وكل القوى العسكرية والأمنية الأخرى، وهذا هو الأمر المنطقي والأمر الطبيعي، أن تحمي الدولة الوطن، ولكن كم مرة في تاريخ لبنان حصل هذا؟ ربما القول الصحيح أن نقول إن الدولة كانت تحاول أن تحمي الوطن، بقدرات قواها المتواضعة، وهذه القدرات المتواضعة سبب تواضعها، لا سيما قدرات الجيش، هو الدولة. تصور فخامتك، الدولة التي تحمي الوطن تمنع جيش الوطن من الحصول على قدرات تمكّنه من أن يحمي الوطن. والدولة هنا لا تقتصر على عهد فخامتك، الدولة هنا هي النظام اللبناني منذ نشأة الكيان اللبناني إلى اليوم.
فخامة الرئيس،
بعد حرب 2006 أنشأ الجيش نقطة له عند مدخل قريتنا. يومها باركت لوالدي هذا الأمر، مبارك يا حاج صار لدينا حاجز للجيش في البلدة. فأجابني: يا أبي، غدًا عندما تحصل معركة سنضطر إلى حماية عناصر الحاجز.
الجنوبيون يا فخامة الرئيس لم يشعروا يومًا بأن الدولة حمتهم، وأنت كقائد سابق للجيش تعلم ذلك أكثر مني ومنهم، وليس السبب عدم شجاعة ورجولة ضباط الجيش وعناصره، ولو أُمروا لواجهوا العدو بقبضاتهم، غير معتمدين على سلاح قديم متهالك يمتلكونه، ولا يختلفون في حبهم للوطن عن مجاهدي المقاومة، في الجرأة والإيمان والإقدام، ولكن قيود النظام اللبناني تمنعهم حتى من الصراخ بوجه العدو، حتى لا «يزعل» صديق أميركي أو غيره.
فخامة الرئيس، نأمل أن يأتي اليوم الذي تحمي فيه الدولة الوطن، وإن كنت لا أظن حصول ذلك في القريب ولا حتى في البعيد، والسبب لا يعود إليك، ولا تتحمل مسؤولية هذا التقصير، وإلى أن يأتي اليوم الموعود، تصبحون على وطن.