اوراق خاصة

تقسيم الهند وباكستان.. مشكلة خلقتها بريطانيا  يدفع ثمنها المسلمون

post-img

حسين كوراني/ خاص موقع أوراق

بعد مرور 78 عاماً على التقسيم بين الهند وباكستان في عام 1947، لا تزال النزاعات حول منطقة كشمير دون حل، ولا تزال الدولتان أيضاً تتصارعان مع ندوب التقسيم، إذ تستمر التوترات الطائفية في الاشتعال. ولا تزال تداعياته السلبية تُخيّم على حياة المسلمين داخل الهند وفي المناطق الحدودية المتنازع عليها حتى يومنا هذا.

وكان آخرها الهجوم الذي أسفر عن مقتل 26 مدنيًا في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير يوم الأربعاء في 23 نيسان/أبريل 2025، والذي حمّلت نيودلهي مسؤوليته إلى إسلام آباد. 

وفي تصعيد مفاجئ، طلبت السلطات الهندية والباكستانية من رعايا بعضهما البعض مغادرة أراضيهما على الفور. ورغم أن باكستان نفت أي دور لها في الهجوم. غير أنّ الحكومة الهندية القومية المتطرّفة افتتحت معركة العقوبات، عبر الإعلان عن سلسلة إجراءات انتقامية دبلوماسية ضدّ إسلام آباد، شملت تعليق العمل بمعاهدة رئيسية لتقاسم المياه، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بين الجارتين، وخفض أعداد الدبلوماسيين.

في المقابل، أعلنت إسلام آباد عقب اجتماع نادر للجنة الأمن القومي طرد دبلوماسيين وتعليق التأشيرات للهنود، وإغلاق الحدود والمجال الجوي مع الهند ووقف التجارة معها. وجاء في بيان لمكتب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أن "أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه التي تعود إلى باكستان بموجب معاهدة مياه نهر السند، ستعتبر عملاً حربيًا وسيتم الرد عليها بقوة".

ما سبب بذور التنافر

بذور التنافر الطائفي زرعها الحكام الاستعماريون البريطانيون من خلال سياسة "فرق تسد". تضمنت هذه السياسة استغلال الاختلافات الدينية والعرقية واللغوية القائمة بين السكان الهنود للحفاظ على السيطرة. حيث خلق الانكليز بشكل منهجي انقسامات داخل المجتمع الهندي، ما عزز عدم الثقة والعداء بين الهندوس والمسلمين، وكذلك بين الجماعات الدينية والعرقية الأخرى.

وفي سعيهم للاحتفاظ بالسلطة، حشد البريطانيون المجتمعات المختلفة ضد بعضها البعض، مما عزز الشعور بالمنافسة. وعزلوا المجتمعات من خلال ناخبين منفصلين، وخلقوا منصات سياسية للجماعات الدينية بدلاً من التركيز على هوية موحدة. وتضمنت هذه السياسات إجراءات مثل الإحصاء العلمي لعام 1871 وإنشاء دوائر انتخابية منفصلة للمسلمين. 

التقسيم ونتائجه

يؤكد كثير من المؤرخين اليوم أن التقسيم كان نتاجاً لتفاعل الكثير من العوامل، بما في ذلك التوترات المجتمعية المتزايدة التي غذّتها سياسة "فرق تسد" البريطانية في ثلاثينيات القرن الماضي، وتأثير الحرب العالمية الثانية والانهيار واسع النطاق للقانون والنظام، بالإضافة إلى الخيارات السياسية التي اتخذتها النخب على المستويين الوطني والإقليمي.

وبينما دافع زعماء مثل جواهر لال نهرو والمهاتما غاندي عن الهند الموحدة التي تعتنق ديانات متنوعة، ترأس محمد علي جناح الرابطة الإسلامية ودعم فكرة إنشاء وطن خاص للمسلمين، والذي أصبح باكستان. ومع اقتراب احتمالية استقلال الهند البريطانية، أرسى تصادم هذه الرؤى المتناقضة الأساس للتقسيم.

وفي منتصف آب/أغسطس 1947، جرى تقسيم الهند البريطانية، منهية بذلك ثلاثمائة عام من الحكم الاستعماري مع إنشاء دولتين مستقلتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. فيما تسبب هذا التقسيم في "أكبر حركة جماهيرية للبشرية في التاريخ"، وفقاً لمقال نشرته كلية التاريخ في جامعة أكسفورد البريطانية.

أدى هذا التقسيم إلى تصاعد أعمال العنف، وانتقال ما يقرب من 12 مليون لاجئ عبر الحدود الوطنية الجديدة التي رسمها المحامي البريطاني السير سيريل رادكليف خلال 36 يوماً فقط، والى هلاك ما بين نصف مليون إلى مليوني شخص نتيجة الاضطرابات وموجات العنف التي تلت ذلك، فضلاً عن تعرض 80 ألف امرأة للعنف أو الاختطاف أو الاعتداء.

المسلمون من يدفع الثمن

لم يؤد التقسيم إلى مأساة إنسانية ضخمة فحسب، بل أرسى أيضاً الأساس لتوترات طويلة الأمد بين الهند وباكستان. وعلى المدى الطويل، كان التقسيم يعني "التنافس الدائم" بين دولتين مسلحتين نووياً. ومنذ ذلك الحين، خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب حول الحدود المتنازع عليها في كشمير (1947، 1965، 1999).

وكان لإنشاء دولتين على أسس دينية يعني أن المسلمين الذين بقوا في الهند واجهوا تحديات لهوياتهم الدينية والثقافية. أدى ذلك غالباً إلى تفاوتات اجتماعية واقتصادية وتهميش وعنف مجتمعي ضد المجتمعات المسلمة، وهي الأمور التي ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة، حيث يجاهر حزب "بهاراتيا جاناتا" المتطرف الحاكم بعدائه للمسلمين علنياً ويعد بتضييق الخناق عليهم من خلال ممارساته العنصرية.

بالإضافة إلى ذلك، أدى الصراع في كشمير، وهو الإرث الأكبر لعملية التقسيم، إلى تأجيج الصراع بين الهند وباكستان، مما أثر على حياة الملايين، بخاصة في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة حيث تنشط جماعات هندوسية متطرفة، تقوم تحت مرأى ومسمع حكومة نيودلهي المتطرفة، باستهداف ومضايقة السكان المسلمين في المنطقة.

وبينما كانت كشمير مسرحاً لعقود من الصراع الذي راح ضحيته آلاف المدنيين والعسكريين، شهدت السنوات الأخيرة تفاقم التوتر بعد فرض نيودلهي سلطتها المباشرة على الإقليم في آب/أغسطس 2019، ما دفع الحكومة الهندية إلى تبني استراتيجية جديدة أعادت بها إحياء المليشيات الهندوسية المحلية المعروفة بـ"حراس الدفاع عن القرية"، بتسليحها وتشكيلها رسمياً وعلنياً لتخويف ومضايقة السكان المسلمين في كشمير.

لكن السؤال الأهم، فيما إذا ستؤدي هذه الحادثة الأخيرة بين الهند وباكستان الى حرب شاملة؟. في الواقع يرى المحللون أنه على الرغم من حصول مواجهات عسكرية محدودة بعد التسلح النووي بينهما عام 1998، مثل صراع كارجيل (1999)، والاشتباكات بعد هجوم بولواما (2019)، عندما نفّذت الهند ضربة جوية داخل باكستان، إلا أن حرب شاملة بينهم ليست مرجحة حالياً بسبب الردع النووي، والضغوط الدولية من الولايات المتحدة، الصين، وروسيا الذين يلعبون أدوارًا مهمة في منع التصعيد، نظرًا لحساسية المنطقة ولأن أي حرب قد تجرّ قوى كبرى إلى أزمة أوسع.

في الخلاصة، فإن احتمال وقوع صدامات حدودية أو عمليات محدودة يبقى قائماً، وقد يؤدي أي حادث غير محسوب إلى تصعيد خطير خاصة أن التوترات في كشمير قابلة للاشتعال في أي وقت، بسبب سياسات الهند في الإقليم، مثل إلغاء الحكم الذاتي لكشمير الهندية عام 2019 وتشديد القبضة الأمنية فيه.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد