اوراق مختارة

استقرار الدولار… سياسة مُحكمة أم هدنة مفروضة؟

post-img

ريما فارس (صحيفة البناء)

طمأن خبير مالي إلى أنّ سعر صرف الدولار سيبقى مستقرّاً طالما استمرّت السياسة النقدية التي يعتمدها مصرف لبنان منذ عام 2023، القائمة على الامتناع عن طباعة الليرة وضبط السيولة في الأسواق. هذه السياسة، التي تُدار بحذر شديد، تشكّل اليوم صمام الأمان الوحيد في اقتصاد يفتقر إلى مقوّمات الثقة.

فالمصرف المركزي لم يعد يملك ترف المغامرة، بعد الانهيارات المتكرّرة التي شهدها لبنان بين عامي 2020 و2022، اتجه نحو سياسة انكماشية صارمة، أوقفت التمويل بالعجز وأغلقت صنابير الليرة، فانخفض الطلب على الدولار وتراجعت حركة المضاربة. وبحسب تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإنّ هذه الإجراءات ساعدت في تثبيت نسبي لسعر الصرف، بعد أن كانت الليرة قد فقدت معظم قيمتها.

لكن هذا “الاستقرار” لا يقوم على قاعدة إنتاجية أو مالية متينة، بل على جمود سياسي واقتصادي متبادل. فالسلطة التي فشلت في الإصلاح تُراهن اليوم على الوقت، والمصرف المركزي يُمسك بالسوق بخيوطٍ دقيقة من الانضباط النقدي، فيما يعاني الاقتصاد من ركود خانق يقلّل الاستهلاك والاستيراد، فيُخفّف الضغط على الدولار من دون أن يخلق نمواً حقيقياً.

ويشير مراقبون إلى أنّ هذا التوازن الهشّ يرتبط أيضاً بعوامل سياسية؛ فكلّ الأطراف تدرك أنّ أيّ انفلات في سعر الصرف يعني انفجاراً اجتماعياً لا يملك أحد القدرة على احتوائه. لذلك، تُدار اللعبة المالية اليوم وكأنها هدنة اقتصادية موقّتة، تحافظ على الهدوء في السوق مقابل إبقاء الإصلاحات الحقيقية مؤجَّلة.

إنّ ما يراه المواطن استقراراً هو في الحقيقة نتيجة خوفٍ مشترك: السلطة تخشى الانهيار الكامل، والمصرف يخشى طباعة الليرة، والمواطن يخشى أن يفقد ما تبقّى من مدّخراته. فتهدأ السوق… لا لأنها تعافت، بل لأنها مرهَقة من الانهيار.
الدولار اليوم مستقرّ، نعم، لكن على جمرٍ بارد. والليرة ثابتة، لا لأنها قوية، بل لأنها مربوطة بقيود الخوف والسياسة. ومن يقرأ المشهد بعمق، يدرك أنّ هذا السكون الطويل قد لا يكون سوى الهدوء الأخير قبل عاصفة جديدة…

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد