اوراق خاصة

أزمة الحدّ الأدنى للأجور.. اللبنانيون كلهم عيّدوا في عيد العمال إلّا العمال

post-img

حسين كوراني/ خاص موقع أوراق

يأتي عيد العمال على اللبنانيين، في هذا العام، كمثله من الأعوام التي أعقبت الأزمة الاقتصادية التي عصفت ببلدهم في العام 2019؛ حقوقهم مهدورة ومتروكون لأقدارهم، وهم يحاولون بشتى الطرق أن يؤمّنوا حياة كريمة لعيالهم. إذ نراهم يوصلون الليل بالنهار وهم يكدّون ويتعبون كي لا ينقصون عن أولادهم ما هم في حاجة إليه، وبالأخصّ في ما يتعلق بالأقساط المدرسة والطبابة والسكن، ما عدا المأكل والمشرب والملبس.

تبدو الدولة، في هذه الأيام وفي وضعها الحالي لمؤسساتها، أعجز في من أن توفي العامل أو الموظف حقّه بأجر يمكّنه من تحّمل قساوة الحياة، وقد أصبح الغلاء والتضخم سمة هذا البلد. إذ تفيد بعض الإحصاءات أن ثمانين في المئة من الشعب اللبناني هم تحت خطّ الفقر؛ بينما تجد في بلاد العالم ضمانات اجتماعية على الرغم من الظروف القاسية التي تعيشها الطبقات العاملة والساعية وراء لقمة عيشها. ومن بين هذه الضمانات توفير الطبابة للجميع من دون استثناء، ومجانية التعليم في المدارس الحكومية التي تغطي نقصًا مرتفع النسب، وهي تنافس في جودة التعليم مع المدارس الخاصة، والتي هي حكرٌ على فئة ميسورة من الناس، فيما يبقى الأمن السكني خاضعًا لحركة العرض والطلب.

الدولة تنهي قوة العمل

إذًا، لا عمّال في لبنان. النموذج التنموي اللبناني أنهى قوة العمل؛ لأنه يقوم على مبدأ تصدير الشباب إلى الخارج لاستقدام الدولارات. وفي المقابل؛ لا ينتج النموذج وظائف لائقة، ويعمل على تدمير ما تبقّى من مكتسبات للعمال؛ مثل: الضمان الصحي والاجتماعي والحق في أيام إجازة.

بحسب آخر إحصاء لمديرية الإحصاء المركزي، يبلغ عدد العمال في لبنان مليونًا و800 ألف شخص، إلا أنّ هذا الرقم غير مُحدّث، ويعود إلى العام 2018. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، وصل عدد العمال في لبنان إلى مليونين و200 ألف شخص في العام 2022.

بحسب دراسات الباحث كمال حمدان، في لبنان 50 ألف خرّيج جامعي سنويًا، نصفهم يريدون السّفر من السنة الأولى لدخولهم سوق العمل. والعامل الأهم في هجرة اللبنانيين هو البحث عن عمل، وفقًا لحمدان.

صراع بين أصحاب العمل والعمال

يرفض أصحاب العمل في لبنان أيّ تعديل يؤدي الى العدالة في الحدّ الأدنى للأجور. وهو أمر فجّر جلسات لجنة المؤشر. لذلك؛ لن يحصل العمال على "عيدية" رفع الحدّ الأدنى للأجور البالغ 18 مليون ليرة، أي 200 دولار، بحسب المرسوم 13164، والصادر في نيسان من العام 2024.

على الرغم من التسريبات والوعود التي توقعت "اقتراب موعد خروج الدخان الأبيض"، من جلسات لجنة المؤشر قبل نهاية نيسان الماضي، والتوصل إلى اتفاق بين ممثّلي العمال وأرباب العمل يقضي برفع الحدّ الأدنى للأجور، إلا أنّ وزير العمل محمد حيدر أعلن تأجيل اجتماع اللجنة إلى يوم الأربعاء المقبل (7 أيار 2025)، معلّلاً السبب لسعيه في إفساح المجال أمام المزيد من المشاورات والنقاشات بهدف التوصل إلى أفضل صيغة ممكنة تتعلق بمسألة رفع الحدّ الأدنى للأجور والتعويضات.

أصحاب العمل يرفضون زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى أكثر من 27 مليون ليرة، أي بزيادة 9 ملايين ليرة عن الحدّ الأدنى المُعتمد حاليًا، والبالغ 18 مليون ليرة، وهو ما رفضه الاتحاد العمالي العام، وفقًا لرئيسه بشارة الأسمر. كما رفع الاتحاد العمالي سقف المفاوضات مع أصحاب العمل مطالبًا بحدّ أدنى للأجور يبلغ 900 دولار على أقل تقدير.

لكن، خلال المداولات في لجنة المؤشر، رفض أصحاب العمل طرح الاتحاد تمامًا، ورأوا أنّ "البحث في هذه الأرقام عبثي"، فاندفع الأسمر لتقديم تنازلات سريعة مخفّضًا سقف التفاوض إلى 550 دولارًا للحد الأدنى، واصفاً خطوة التراجع بـ"الانفتاح على البحث".

أما في ما يتعلّق ببدلات النقل، طرح ممثّلو العمال إعادة النظر في بدل النقل اليومي للوصول إلى سلّة متكاملة؛ فرفض أصحاب العمل أيّ بحث في زيادتها، وسوغوا قرارهم هذا لعدم ارتفاع أسعار المحروقات عالميًا.

القطاع المالي تسبّب في الأزمة

قبل الانهيار المصرفي والنقدي في لبنان، كانت قوّة العمل الرئيسة تتمركز في القطاع المالي، أي في المصارف وشركات التأمين وشركات الوساطة المالية وسواها. وكان أبلغ تعبير عن هذا الأمر أنه لدى المصارف قوّة عمل يتجاوز عديدها الـ25 ألف أجير. وثمة نسبة وازنة من هؤلاء كانت قوّة عمل ذات كفاءة مرتفعة بالشهادات العلمية وبالخبرة والمعرفة.

هذا؛ وبحسب التقرير السنوي الصادر عن جمعية المصارف، إنه في العام 2018 كانت نسبة حملة الشهادات الجامعية تبلغ 80% من مجمل موظفي المصارف، و75% منهم تقنيون يحملون مهارات تكتسب بالتعلم والخبرة والتدريب، و26% هم كوادر يتحمّلون مسؤوليات في المراكز الأعلى.

في حينه، كان المتوسط السنوي لراتب موظّف المصرف يبلغ 2800 دولار مقارنة مع حدّ أدنى للأجور يبلغ 447 دولارًا. وإذا احتسبت التقديمات الأخرى، أي الراتب الأساسي مع تعويضات النقل وبدلات التعليم وسواها، كانت تصل متوسط كلفة الأجير في المصرف تصل إلى 4244 دولارًا.

أما في نهاية العام 2023، وبحسب التقرير السنوي لجمعية المصارف، انخفض عدد العاملين في القطاع بنسبة 54.4% ليبلغ عددهم 14860 أجيرًا، وهذا العدد أصبح أقلّ في العام 2024، ولكن لم تصدر أي إحصاءات عن جمعية المصارف بعد.

مع إفلاس المصارف؛ لم يعد الاقتصاد ينتج قوّة عمل ذات قيم مضافة مرتفعة. هذا الأمر لا يعود إلى أن المصارف كانت تنتجها؛ بل إن النموذج كان مصممًا ليقوم بذلك، كما أدى غياب السلطة عن تنمية قطاعات أخرى في القطاعات التقليدية أو المبتكرة إلى تركّز الوظائف هناك. والانهيار لم يكن مجرّد عارض كبير، لقد أظهر حجم التفسّخ في بنية هذا النموذج الذي قام على اجتذاب الأموال من الخارج وإنفاقها في الداخل على شراء سلع مستوردة. عمليًا، لم يكن لدى لبنان إنتاج محلّي.

باختصار، الجميع عيدّوا، يوم أمس (1 أيار عيد العمال) في لبنان إلاّ العمّال، والذين وضعوا أيديهم على خدودهم منتظرين أن يخرج من مدخنة السراي الحكومي الدخان الأبيض، في تصحيح الأجور ورفع حدّها الأدنى بما يتناسب وصعوبة العيش اليومي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد