ايناس كريمة (لبنان 24)
تتّجه الأنظار إلى الجلسة الحكومية المقررة اليوم الثلاثاء، في ظلّ أجواء سياسية شديدة التعقيد تتقاطع فيها الحسابات الداخلية مع الضغوط الخارجية. ووفق مصادر مطّلعة، فإن النقاش المنتظر حول ملف السلاح لن يكون حاسمًا بل سيشكّل انطلاقة لمسار طويل يبقى محصورًا تحت سقفي البيان الوزاري وخطاب القسم، مع رفض مطلق من قبل "الثنائي الشيعي" لأي مقاربة قسرية تمسّ التوازن الداخلي أو تستهدف قدرات المقاومة بشكل مباشر أو غير مباشر.
رئيس الجمهورية جوزاف عون، وبحسب ما تسرّب عن لقاءاته الأخيرة مع وفود من "الحزب"، لا يميل إلى الصدام ولا يسعى إلى فرض أمر واقع، بل يرى أن الوصول إلى مقاربة مناسبة يمرّ عبر تفاهمات سياسية رصينة تراعي دقة المرحلة وحساسيتها. ولعلّ هذا الموقف يتقاطع مع توجه "الثنائي الشيعي" الذي أكّد مشاركته في الجلسة احترامًا للثوابت المشتركة مع رئيس الجمهورية، مع الإشارة إلى أن غياب بعض الوزراء الشيعة سيكون لأسباب لوجستية مرتبطة بالسفر.
في السياق ذاته، توقعت مصادر سياسية مطّلعة أن تمرّ الجلسة بسلاسة نسبية، على أن تُستكمل في مراحل لاحقة بجلسات أخرى يُختبر فيها نبض القوى المختلفة، وسط اتّصالات مكثّفة تهدف إلى تجنّب التصعيد وتأمين مقاربة ترضي الداخل، وإن لم تلبِّ كلّ تطلعات الخارج الذي يضغط في اتّجاه الحسم. إذ تشير المعطيات إلى أن واشنطن، عبر موفدها توم براك، أعادت طرح الورقة الأميركية الأولى نفسها، متجاهلة بذلك كلّ الردود اللبنانية على الطروحات السابقة. إذ تضمّنت جدولًا زمنيًا واضحًا لسحب السلاح، مقابل وعود بتقديم دعم مالي واقتصادي وإطلاق مشاريع إعادة إعمار اعتبارًا من بداية العام المقبل، من دون أن تتضمّن أي التزام مقابل يتعلق بالعدو ال"إسرائيلي". هذا الطرح، بحسب المصادر، لم يُفهم على أنه مبادرة تفاوضية، بل شكّل صدمة في الأوساط الدبلوماسية بالنظر إلى تجاهله الكامل للملاحظات التي سبق أن نُقلت إلى الجانب الأميركي عبر لبنان الرسمي.
في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة على أجواء حزب الله أن الحزب لا يعارض مبدأ تنظيم ملف السلاح ضمن إطار الدولة، لكنّه يرفض نهائيًا أي طرح يُفرض من خارج التوافق الوطني، خصوصًا إذا جاء تحت عنوان التهديد أو التهويل. وتشير المصادر إلى أن ما يطرحه "الحزب" يستند إلى مقاربة متدرجة تبدأ بتطبيق القرار 1701 بشكل كامل من الجانب ال"إسرائيلي"، وصولًا إلى حوار داخلي لبناني جاد حول إستراتيجية دفاعية تضمن استخدام عناصر القوّة لحماية لبنان، لا التخلّي عنها. هذا الطرح لا يزال يحظى بتفهّم من رئيس الجمهورية، الذي أكّد في لقاءاته مع "الحزب" على أن قرار السلم والحرب يجب أن يكون بيد الدولة، مع تمسّكه بالحوار كمدخل أساسي لمعالجة هذا الملف المعقّد.
في المقابل، يبدو أن بعض الجهات المحلية الداعمة للورقة الأميركية قررت الذهاب حتّى النهاية، ما يثير قلقًا متزايدًا من احتمالات التصعيد. فالكلام الذي اعتُبر سابقًا تهويلًا، بات يُخشى أن يتحوّل إلى أمر واقع، في ظل مؤشرات أمنية مقلقة ترتبط ببوادر توتر شعبي، واحتمال تمدّد الفوضى إلى ساحات داخلية متعددة، من الجنوب إلى الشمال مرورًا بالبقاع، وهو ما وصفته مصادر مواكبة بأنه "سيناريو سيئ جدًا ومفتوح على كلّ الاحتمالات".
وبينما يزداد الضغط الدولي، تشير الوقائع إلى أن "إسرائيل"، ومعها الإدارة الأميركية، حدّدتا نهاية الصيف كمهلة افتراضية لحسم ملفات إقليمية متراكمة، تبدأ من غزّة، وتمتد إلى سورية، وتصل إلى لبنان لاحقًا. في هذا السياق، لا يبدو، بحسب المصادر، أن المطلوب هو تسوية لبنانية داخلية بقدر ما هو تنفيذ خارجي مشروط، يأتي على حساب السيادة والمصلحة الوطنية.
من هنا، تبدو الجلسة المقبلة اختبارًا لمدى قدرة الحكومة اللبنانية على تثبيت مقاربة متوازنة تنطلق من وقائع الداخل لا من حسابات الخارج. أما مصير النقاش حول السلاح، فسيبقى مرهونًا بقدرة القوى السياسية على صياغة تفاهم يحفظ وحدة القرار، ويمنع انزلاق البلد إلى مواجهة خطيرة في توقيتها ومفتوحة على احتمالات يصعب تطويقها.