دكتورة فاطمة سلامة (موقع العهد)
"انتهى حزب الله"، "حزب الله ومشقّة البيئة الحاضنة!"، "تململ داخل بيئة حزب الله نتيجة البطء في دفع التعويضات"، "أزمة في بيئة حزب الله.."، "غضب مكتوم داخل بيئة حزب الله.."، "نقمة في أوساط بيئة حزب الله"... ما تقدّم من جُمل تشكل غيضًا من فيض ما يُكتب عن بيئة حزب الله. يُصوّر مزاج تلك البيئة أنه انقلب 180 درجة من التأييد لحزب الله والمقاومة، بشكل عام، إلى حالة الناقم والرافض والمنقلب عليها. واللافت أنّ كل ما يُكتب، في هذا الصدد، لا يعدو كونه تلفيقات بناء على أجندة معروفة، ولا يرتكز فعلًا إلى استمارات أو استطلاعات رأي علمية، تستطلع رأي هذه البيئة الحاضنة بطريقة منهجية موضوعية ليُبنى حينها على النتائج والأرقام، بشكل يصح معه القول إنّ هذه البيئة ما تزال مع المقاومة، أو باتت ضدها.
في هذا السياق، تبرز الانتخابات البلدية كواحدةً من أساليب الاستفتاء الشعبي الحقيقي، والتي يصح البناء على نتائجها لتسجيل قراءة بلغة الأرقام والوقائع بعيدًا عن لغة الشائعات والأوهام ورمي الكلام جزافًا. وقد شكّلت الجولة الأولى، من هذه الانتخابات في محافظة جبل لبنان، قاعدة بيانية تحمل ما تحمله من مؤشرات على الالتفاف الشعبي حول البيئة. الصورة التي بدت واضحة وجلية، في فوز لوائح "التنمية والوفاء"، أي لوائح حزب الله وحركة أمل، جميعها في أقضية الشوف وعاليه وبعبدا وجبيل. وفي هذا السياق، يشير الخبير الانتخابي كمال فغالي إلى انتصار نوعي شهده الشارع الشيعي مُثبت بالأرقام، لافتًا إلى أن أحدًا لم يترشح في قرية شيعية ضد توجه المُقاومة، فالناخبون الشيعة، في كل البلدات الشيعية، بيّنوا أنهم جميعهم مئة في المئة مع المقاومة وهذا إنجاز عظيم، مثبت في صناديق الاقتراع.
يُقدّم فغالي قراءته، فيؤكّد أن لا مؤشرات سياسية في الجولة الأولى من الانتخابات إلا عند الطائفة الشيعية. يُعيد ويكرّر :"في كل البلدات الشيعية لم يترشح أحد ضد المقاومة، وحتى اذا ما كان هناك صراع في بعض الأماكن، هو صراع بين لائحتين مؤيدتين للمقاومة، لكن تشكيل اللائحة المنافسة كان لأسباب شخصية فقط". ويضيف فغالي: "أتحدى أحدًا أن يسمي لي مرشحًا، على كل امتداد قرى الشيعة في الجنوب والبقاع، ضد المقاومة، حكمًا، لن يجدوا". الحرب؛ وفقًا للمتحدّث: "أثّرت كثيرًا، وجعلت الناس أكثر تمسكًا بالمقاومة، لا العكس، كما يتوهمون".
هذا؛ وفيما تستعر الحملات على المقاومة، يُشدّد الخبير الانتخابي على أنّ هناك واقعًا سياسيًا لم يعد فيه أمام المواطن الشيعي سوى خيار المقاومة، بعدما تركته الدولة لمصيره. القرى مدمّرة، الهجمة السياسية كبيرة، الخطاب السياسي والطائفي والعنصري مستفحل، فضلًا عن مطالبات البعض بتهجير الشيعة.. كل هذه الأمور مجتمعة، جعلت المواطن الشيعي أكثر التفافًا حول المقاومة.
"لنتصور سيناريو آخر"؛ يقول فغالي : "لقد عملت فيه الدولة منذ وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الراعي الأميركي على سحب "الإسرائيليين" من الجنوب مئة في المئة، ودخل الجيش اللبناني. وفي اليوم التالي، استقدم الجيش اللبناني كل آلياته ودباباته وجرافاته الى الجنوب، وبدأت ورشة رفع الأنقاض والإعمار والبنى التحتية. بالتأكيد سيلتف هذا المواطن حول الدولة. وبالمناسبة، حزب الله يأمل أن يتغير سلوك الدولة"، يضيف فغالي: "لكن نتيجة التقصير؛ فإن المواطن العادي لم يعد يرى أحدًا سوى المقاومة التي هي حبل النجاة الوحيد". لهذا، برأيه، لا أحد يمتلك عينًا للترشح ضد لوائح "التنمية والوفاء"، وحتى لو جرّب لن يتمكّن من الفوز. سلوك الدولة غير مقبول، ومن الآن حتى الانتخابات النيابية اذا بقي الوضع على ما هو عليه، سيزداد الالتفاف حول حزب الله وحركة أمل أكثر فأكثر، وفقًا لفغالي.
في القراءة العامة، يشير الخبير الانتخابي إلى أنّ، التنظيم في الجولة الأولى، كان جيدًا في المناطق كافة. وهذا أمر متوقع؛ لأن الدولة اللبنانية، منذ الأربعينيات والخمسينيات، تنظّم الانتخابات بشكل جيد ولديها خبرة في القوانين التي توفّر الشفافية. هذا من ناحية التنظيم، أما من ناحية القراءات السياسية، فيرى فغالي أنه في المناطق والقرى المسيحية لا يوجد قراءة سياسية؛ لأنّه لم يكن هناك معركة سياسية باستثناء بعض القرى، فالنتائج كانت معروفة مسبقًا، والفارق كبير بين اللوائح، فلم يكن هناك مفاجآت. القرى الوحيدة التي كان فيها شبه استفتاء شعبي سياسي وانتخابي هي القرى الشيعية التي ترشح فيها الثنائي الوطني، وفي بعض القرى الشيعية فازت بلديات بالتزكية، وحتى الأماكن التي كان بداخلها معركة لم تكن معركة سياسية؛ بل استفتاء شعبي، يختم فغالي مقاربته.