حسين كوراني/ خاص موقع أوراق
أعطت الجولة الأولى، من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان، مؤشرًا يبنى عليه في نتائج الانتخابات المقبلة في المحافظات كافة، والتي بدورها ستحدد حجم الأحزاب السياسية المشاركة في بلدياتها.
لقد شكّلت انتخابات جبل لبنان قاعدة بيانية؛ تحمل ما تحمله من مؤشرات على الالتفاف الشعبي حول البيئة الحاضنة للمقاومة. الصورة بدت واضحة وجليّة، في فوز لوائح "التنمية والوفاء"، أي لوائح الثنائي الشيعي المتمثلة بحزب الله وحركة أمل، جميعها في أقضية الشوف وعاليه وبعبدا وجبيل. وعلى الرغم من محدودية الثقل الديموغرافي للطائفة الشيعية، في هذه المحافظة، مقارنةً بمناطق الجنوب والبقاع، فقد شكّل سلوك الناخبين الشيعة فيها مؤشرًا لافتًا على صعيد التفاعل السياسي والتنظيمي الذي اتّسم بالانضباط، وعبّر عن خيارات واضحة في هذه الأقضية.
نتائج انتخابات جبل لبنان أعطت انطباعًا أوليًا أن البيئة الحاضنة للمقاومة ما تزال متمسّكة بخياراتها، على الرغم من كل الضغوط الداخلية والخارجية التي تمارس بحقها بعد العدوان الأميركي-ـ الإسرائيلي البربري الأخير على لبنان، والحملات الإعلامية والسياسية المكثّفة التي تتعرّض لها. وبهذا يرى "الثنائي" أنه حقّق الهدف في خلال الجولة الأولى من الانتخابات، وهو إرسال رسائل استقرار وتنظيم، مفادها أن الحال الشيعية قادرة على الحفاظ على تماسكها في كل البيئات، حتى في المناطق ذات الطابع المختلط أو المنافس، وعلى تحصين مواقعها وضبط الإيقاع في ظل واقع سياسي متحوّل، على المستويين المحلي والوطني.
وعليه، لقد شكّل الهدوء السمة الأبرز في تعاطي "الثنائي" مع الاستحقاق الانتخابي. مثلًا، لم يشغّل حزب الله ماكيناته الانتخابية في بلدات الضاحية الجنوبية بأقصى طاقاتها، كما درجت العادة في الاستحقاقات السابقة، ولم يُفعّل خطة النقل الخاصة بإحضار العائلات القاطنة في الجنوب والبقاع للمشاركة في الاقتراع.
هذا يؤكد حزب الله حضوره السياسي، عبر فوز لوائح "التنمية والوفاء" في بلدات الضاحية وبعبدا والشوف، بالتزكية أو بأغلبية واضحة، بعيدًا عن نِسب المشاركة التي لا تعبّر بالضرورة عن تغيّر في الأمزجة أو التوجهات السياسية، خصوصًا أن النتائج المسجّلة مع غياب المنافسة قريبة جدًا من نتائج آخر انتخابات جرت في العام 2016، وكانت المنافسة فيها ضد لوائح قوية ومكتملة؛ في ما لا يتعلّق العزوف عن المشاركة في الاقتراع بأسباب سياسية أكثر من كونه اطمئنانًا مسبقًا للنتيجة بغياب التنافس.
في هذا السياق، يشير الخبير الانتخابي كمال فغالي، في تصريح صحفي، إلى: "انتصار نوعي شهده الشارع الشيعي مُثبت بالأرقام"، لافتًا إلى: "أن أحدًا لم يترشح في قرية شيعية ضد توجه المُقاومة، فالناخبون الشيعة، في كل البلدات الشيعية، بيّنوا أنهم جميعهم مئة في المئة مع المقاومة، وهذا إنجاز عظيم مثبت في صناديق الاقتراع".
يُقدّم فغالي قراءته، فيؤكّد أن: "لا مؤشرات سياسية في الجولة الأولى من الانتخابات إلا عند الطائفة الشيعية.. والحرب أثّرت كثيرًا، وجعلت الناس أكثر تمسكًا بالمقاومة، لا العكس، كما يتوهمون". ورأى أنّ: "هناك واقعًا سياسيًا لم يعد فيه أمام المواطن الشيعي سوى خيار المقاومة، بعدما تركته الدولة لمصيره. القرى مدمّرة، الهجمة السياسية كبيرة، الخطاب السياسي والطائفي والعنصري مستفحل، فضلًا عن مطالبات البعض بتهجير الشيعة، ولو بقي سلوك الدولة هكذا حتى الانتخابات النيابية، حُكمًا سيزداد الالتفاف حول حزب الله وحركة أمل أكثر فأكثر".
ماذا عن القرى الحدودية المدمرة؟
الدلالات الإنمائية، في منطقة منكوبة ومحتلة ومدمرة حاليًا، لا تعني شيئًا. أما السياسية بعد حرب؛ فقد أثّرت في المعادلات وجعلت البيئة الشيعية تحت المجهر، فهي بيت القصيد. إذًا أهل القرى الحدودية في الجنوب مصرون على أن يكون الاستفتاء ولو على التراب؛ حيث لمس المشاركون في اجتماعات بين اللجان الانتخابية والعائلات مع أهل هذه القرى حماستهم في الانتخاب. إذ يريدون المشاركة لإيصال رسالة مفادها أن هذه الأرض أرضنا، ومتمسكون بها. وهناك بعض الأهالي في القرى المدمرة كليًا رفض نقل صناديق الاقتراع إلى بلدات أخرى؛ وأصرّ على التصويت في صناديق توضع فوق الدمار وعلى التراب، ووضع طاولات وكراسٍ وستار عازل، ولو في الهواء الطلق أو تحت خيمة.
إذًا المعاينات الميدانية تؤكد أن التعويل على تراجع شعبية حزب الله وجمهوره لم يصح، فالحماس لخيارات الثنائي قوية جدًا وفي الصناديق ستصب الأصوات صبّة واحدة، فالبيئة الأساسية والخلفية لم تتزحزح عن خياراتها، على العكس، التعبئة الموجودة والحماس سيتجليان في انتخابات الجنوب والبقاع.
عمومًا، أظهرت نتائج "جولة جبل لبنان" أن الثنائي الشيعي ما يزال يحتفظ بقاعدة شعبية قوية، ما يمنحه دفعة إيجابية نحو الاستحقاق النيابي المقبل، مع الأخذ بالحسبان ضرورة الاستجابة للتحديات القائمة لضمان استمرار التأثير الإيجابي.