نزار نصر/جريدة الأخبار
لم يعد التطرّق إلى مواضيع مثل ذاك الذي سنتناوله الآن، يأتي من باب الاستغراب والتعجّب، إنّما لإبراز الحضيض الذي كلّما ظننّا ألّا شيء يفوقه عمقًا، كلّما تبيّن أنّه ينهار ويوصلنا إلى طبقات أقرب وأقرب إلى نواة الكوكب.
هكذا، ظهرت شابّتان في مقطع «تيكتوكي» وهما تقودان في نواة بيروت، وهي نواة لا يمكن الخطأ في تمييزها بسبب مبانيها «السوليديرية» ذات الألوان الغريبة، أي غريبة عن العاصمة وبشكل عام. لكنّها تتّسق مع الغرابة التي تخاطبانها الشابّتان السخيفتان، المتمثّلة في كيان الاحتلال الصهيوني والمتحدّث باسم قوّاته.
«مستر أڤيخاي الله يرضى عليك»، تبدأ الأولى. «عنّا opening (افتتاح) بعد أسبوع، أجِّلنا الضربات هلّق لو سمحت ولَو».
بهذا الاستخفاف والاستهزاء تتكلّم عن أشخاص قبل أن يكونوا ناسًا، هم يفترض أنّهم لبنانيّون أبناء بلدها! بل فلننس الأشخاص إن كانت الإنسانية لا تعني شيئًا. يبدو ألّا مشكلة للشابّة مع فكرة قصف بلدها من كيان غريب على المنطقة برمّتها، بل جلّ ما تهتمّ به هو الافتتاح اللعين. لا شيء يفوق هذا الافتتاح، سوى «افتتاح» الأرض الذي تسبّبه قنابل العدوّ، ونغوص في سقوط حرّ. لكن لا مفاجأة هنا، فهذه الفردانية التي تحكم عقلية التجّار عندنا كما المستهلكين، ويشجّعها «لبنان الجديد» رغم أنّها سبق أن أوصلته إلى الانهيار مرّات عدّة!
لا تلبث أن تقفز الشابّة الثانية بحماس، و«تُنعوِص»: «پليز فخّوختي پليز، هيدي تاني مرّة بعمل شي وبتعمل حرب، خلص!».
تذمّر مشروع إلى حدّ ما، لولا «تغنيج» العدوّ بطريقة مازوخية، رغم أنّها أصابت بوصفه «الفخّوخة». لكنّ الشابّة الأولى تتفوّق على صديقتها بالمازوخية، فتقاطعها لتعود وتكمل: «بيسمع بيسمع، قلبه طيّب. قلبك طيّب، نحنا منحبّك الله يرضى عليك يعني، نحنا معك ع الموت، بس مش هيدا الأسبوع أجّلا شوَي»، وترسل له قبلة في الهواء واصفةً إيّاه بأنّه «حبيب قلبي».
هنا تقفز الثانية من جديد لأنّ صديقتها «زادتها»، فتعود مع «نعوَصة» أعلى مرفقة بضحك: «ولك خلصنا!».
هل من حاجة للتعليق على كلام من هذا النوع؟ هل نستهزئ من «رضى الله» المنشود عن مجرم مثل «الفخّوخة»؟ أم من كون «قلب» مجرمين من هذا النوع «طيّب»؟ هل لهؤلاء قلب أساسًا؟ أم نعلّق على كونها تعلن ولاءها لمجرم، عدوّ بلدها وشعبها وعدوّ الإنسانية، وتعلن عن حبّها له؟ أساسًا، كيف يمكن أن يخرج هذا الكلام من فم عاقل، ولو بطريقة ساخرة؟ ما خرج من فاهَي هاتَين الشابتَين «يكفي ويوفّي» بإدانة نفسه بنفسه.
يبدو أنّ «لبنان الجديد» هو ذاته الذي كنّا نسمع عنه أيّام «17 أيّار»، التي تصادف ذكراها بعد يومَين. هنا يُفرج عن عملاء الصهاينة، ويسرح سيّاح من المستوطنين ويمرحون، ويدعو لبنانيّون عدوّ بلدهم إلى قصف أبناء شعبهم، وتُباع منتجات من صناعة الكيان المصطنع، وتتولّى وسائل إعلام عمل بروباغندا العدوّ علنًا من دون حسيب أو رقيب، ويُجرّم أيّ فعل مقاوم... فلا عجب من مخاطبة «الفخّوخ» كصديق.