سامي حداد/جريدة الأخبار
في تطور مفاجئ أثار جدلًا واسعًا، أطلقت منظمات مجتمع مدني في مدينة مديات التابعة لولاية ماردين جنوب شرق تركيا، حملة لمقاطعة المسلسل التركي الشهير «المدينة البعيدة» (Uzak Şehir)، بعد ظهور مشهد في الحلقة الأخيرة يُظهر أبطال العمل وهم يتناولون عبوات من مشروب «كوكاكولا».
هذه اللقطة، التي لم تتجاوز بضع ثوانٍ، وُصفت بأنها «دعاية مجانية» لشركة متعددة الجنسيات تُواجه انتقادات شعبية متزايدة، ولا سيما في ظلّ تصاعد حملات المقاطعة التي تستهدف شركات متواطئة في دعم الاحتلال الإسرائيلي أو تتغاضى عن ممارساته، وعلى رأسها شركة «كوكاكولا».
لقد تزامنت هذه الحملة مع تصاعد المقاطعة الشعبية للشركة في عدد من المدن التركية، خصوصًا في المناطق مثل مديات المعروفة بتاريخها العريق وتركيبتها المجتمعية المتماسكة.
من الشاشة إلى الشارع: دعوات المقاطعة تتحول إلى تحرك مدني
منظمات المجتمع المدني في مديات أصدرت بيانات عدة تدعو فيها إلى التوقف عن متابعة المسلسل، معتبرة أنّ تضمينه هذا المنتج في مشهده الأخير يُمثل تجاهلًا لمشاعر قطاعات واسعة من الجمهور التركي والعربي المتضامن مع فلسطين، في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا في التوترات الإقليمية والانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين.
على الرغم من عدم صدور أي توضيح رسمي من شركة الإنتاج أو من طاقم العمل بشأن إدراج المشروب في الحلقة، إلا أنّ الغضب الشعبي تواصلت على منصات التواصل الاجتماعي، وانتشر وسم #مقاطعة_المدينة_البعيدة إلى جانب دعوات إلى مساءلة الشركات الراعية للمسلسلات التركية حول مدى التزامها الأخلاقي والإنساني.
الدراما في مواجهة القيم
مسلسل «المدينة البعيدة»، الذي بدأ عرضه على شاشة Kanal D التركية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، هو قصة اجتماعية مشوّقة تصور عودة امرأة أرملة إلى مدينتها الأصلية ماردين، وما تواجهه من صراعات عائلية ومجتمعية في بيئة تقليدية. وقد حقق المسلسل نجاحًا جماهيريًا واسعًا في تركيا والعالم العربي، بعد عرضه على قنوات فضائية ومنصات رقمية مثل MBC4 و«شاهد».
لكن هذا النجاح بدأ يتعرض للتشويش مع تصاعد الانتقادات، إذ رأى بعضهم أنّ إدراج علامة تجارية مثيرة للجدل في المشهد الأخير لا يمكن فصله عن السياق السياسي والإنساني الراهن، معتبرين أنّ الدراما التركية مطالبة بلعب دور أكثر وعيًا في التعبير عن هموم الشعوب وليس الترويج العابر للسلع.
الكوكاكولا في عين العاصفة
جدير بالذكر أن شركة «كوكاكولا» تواجه منذ أشهر حملات مقاطعة واسعة في دول عدة، من بينها تركيا، بسبب الدعم غير المباشر لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، أو على الأقل الصمت تجاهها. وقد سبق أن أُزيلت منتجات الشركة من أرفف بعض المحال التجارية والمطاعم، وسط تصاعد التوجه الشعبي نحو الاستهلاك الواعي والمسؤول.
المشهد الذي أثار العاصفة، قد يبدو عابرًا لبعضهم، لكنه في نظر شريحة واسعة من الجمهور التركي والعربي يعكس خللًا في الوعي الفني والاجتماعي، ويفتح الباب مجددًا أمام النقاش حول مسؤولية صُنّاع المحتوى في احترام حساسية القضايا الوطنية والإنسانية، خصوصًا في ظل الواقع المشتعل الذي تعيشه المنطقة. فهل تستجيب شركات الإنتاج التركية لهذا النبض الشعبي؟ أم أن منطق السوق سيبقى هو المتحكم الأول في اختيارات الشاشة؟