اوراق مختارة

في ذكرى رحيله الثالثة.. مظفر النواب شاعر الغياب والحضور

post-img

كاظم غيلان/ جريدة القدس العربي

مرت، كالعادة، ذكرى السنة الثالثة على رحيل الشاعر مظفر النواب وسط صمت تبرره مشاغل المؤسسة الثقافية بأحداث طرأت خارجة عن إرادتها. الذكرى مرت أيضا وسط تداعيات قمة بغداد التي أثارت جدل العراقيين والعرب وانقسامهم المعتاد بين الرضى والقبول، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما «فيسبوك» استعادت فيديوهات تبث قصيدة النواب الغاضبة والساخرة ( قمم) وهنا نستطيع القول بأن شعر النواب أعاد لجمهوره العربي والعراقي استذكاره ليؤكد انتصاره خارج طوق المؤسسة وتأكيد شعبيته التي تفوقت على مشاعر الزهو الشعبوي بحدود القمة التي شهدت غياب معظم الرؤساء والملوك العرب.

شكلت حياة وقصائد مظفر النواب المكتوبة بالعامية العراقية والعربية الفصحى فيما بعد ظاهرة تفرد بها عن سائر الشعراء العراقيين والعرب، ففي العامية خلق قصيدة جديدة مزج بها الجمالي بالسياسي، لاسيما وأنه عرف بنضاله كعضو بارز في الحزب الشيوعي العراقي، أقام لسنوات كثيرة جراء هذا الانتماء في سجون العراق الشهيرة ك( نقرة السلمان) السجن الصحراوي الشهير المتاخم للحدود العراقية – السعودية، انتقل بعدها إلى سجن (الحلة) المركزي ليحفر مع عدد من رفاقه نفقا أرعب السلطات الحاكمة وقتها وراحوا يتوزعون في مدن العراق ومسطحاته المائية (الأهوار) في الجنوب العراقي إذ شهدت فعاليات جناح القيادة المركزية للحزب الشيوعي التي رفعت شعار إسقاط السلطة. وما هو إلا عام مر على استلام حزب البعث للسلطة في العراق حتى غادر النواب بلاده التي عاد إليها ليوارى جسده في أكبر مقابرها الواقعة في مدينة النجف المزار الشيعي الأبرز في العالم حيث يقع ضريح الإمام علي بن ابي طالب .

ابتكر النواب قصيدة عامية عراقية على أنقاض أساليب تقليدية لينفض عنها غبار أزمنة متراكمة وأسس خطابا شعريا واعيا، ولربما كانت قصيدته الأولى ( للريل وحمد) بوابة فتح شعري سارع الشاعر سعدي يوسف حين نشرها في العام ١٩٥٩ في مجلة ( المثقف ) في أن يضع جبينه على عتباتها بمقالته المعنونة ( للريل وحمد ومهمة الشعر)حيث نشرت تلك القصيدة العامية في مجلة ثقافية عريقة يشرف عليها الدكتور علي الشوك ولم يكن النواب قد دفع القصيدة للنشر إنما بادر الدكتور صلاح خالص لنشرها دون علمه .

لم يكن مظفر على خلاف مع السلطة الحاكمة في بغداد وحدها إنما سائر الحكومات التي جعلت من بلدانها بحكم قبضاتها الحديدية «سجون متلاصقة … سجان يمسك سجان». السجانون من جانبهم تعاطوا مع مظفر بأقسى ما لديهم من سياسات كان يمنع من دخول أراضي البلدان العربية مثلما غدت قصائده محظورة، بل وفي العراق خاصة بمجرد حيازتك أو تداولك لقصائده تكون تحت طائلة العقوبات القانونية.

تفرد مظفر النواب بإشاعة الفضح والسخرية وكل ما هو مقذع بوصفه الحال العربي حتى أزهق روحه صارخا: «أولاد القحبة في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي» عاش النواب حياة المنفى بكل ما في مفرداتها من تشرد دون أن يتنازل عن موقفه غير عابئ بشهرة تكون الحكومات مصدرها، لذا كأن صاحب القصيدة المهربة فقصائده تصل بواسطة التسجيلات الصوتية ( الكاسيت) لتجد انتشارها، ولعل ذلك كان في مقدمة اسباب عزوفه عن طباعة أعماله الشعرية، وما يعرض في أسواق الكتاب العربي وشارع الكتاب في بغداد (المتنبي) إلا مطبوعات صدرت دون علمه ولا حتى استئذانه، وذكر ذلك في غير حوار صحافي معه إذ ليس له في الإصدار الشعري بالعامية العراقية سوى "للريل وحمد وحجام البريس".

أما الفصحى فله ( وتريات ليلية والمساورة أمام الباب الثاني). لقد تمتع النواب بحدس كبير عمقته اهتماماته بقراءة السايكولوجي الذي درسه وحاول إكمال دراسته عنه في باريس أثناء إقامته فيها، كانت قصائده تشير للآتي في الوضع العربي، لاسيما قضية فلسطين: «ولسوف تنقسم الأمور لغير هذي الانقسامات الشبيهة ببعضها» …… «أنا لا أقول نبوءة إن الكبار تفاهموا لكن أقول نبوءة إنا وضعنا أول الأسماء في القتلى بقائمة الصغار) الذي ربحه مظفر النواب من كل تلك النكبات التي عصفت بحياته أن بقي شاعرا يقيم في ضمائر المظلومين والجياع والحالمين بالحرية والعدل والمساواة . ولربما كان هذا ما يطمح إليه . وهل بعد هذا مجد يستحقه الشاعر؟

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد