فاطمة البسام (لبنان الكبير)
في سياقٍ متجدد من محاولات التطبيع الإعلامي والخرق الإلكتروني، أثار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، جدلًا واسعًا بعد ردّه المشبوه على بيان رسمي أصدرته وزارة الاعلام اللبنانية، وحذّرت فيه المواطنين من أي شكل من أشكال التواصل مع ممثلي الاعلام الإسرائيلي، معتبرةً ذلك خرقًا للقانون اللبناني وموجبًا للمساءلة.
البيان الذي صدر قبل أيام، دعا “جميع المواطنين الكرام، ولا سيما المؤثرين والفنانين والإعلاميين، إلى الامتناع التام عن أي تواصل مباشر أو غير مباشر مع المتحدثين باسم جيش العدوّ "الإسرائيلي" أو وسائل الإعلام التابعة له، مهما كانت الذرائع أو المبررات”، مشددًا على أن هذا النوع من التفاعل “يُعدّ خرقًا واضحًا للقوانين اللبنانية، خصوصًا تلك المتعلّقة بمقاطعة العدوّ الإسرائيلي”.
وزارة الاعلام نبّهت أيضًا على “انتشار أخبار كاذبة ورسائل صوتية مجهولة المصدر يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتهدف إلى إثارة البلبلة والتحريض بين اللبنانيين”، داعية المواطنين إلى ضرورة التحقق من مصادر المعلومات وعدم إعادة نشر أي محتوى مشبوه أو غير موثوق.
رد أدرعي لم يتأخر، إذ استغل منصاته المعتادة للرد بلهجة هجومية، قائلًا: “فرجونا القانون بالضاحية مثلًا وليس حصرًا”، في إشارة محاولة منه لتقويض شرعية التحذير الرسمي.
وفي تساؤل ينطوي على استغلال لمبدأ حرية التعبير، قال أدرعي: “في عصر الاعلام المفتوح، هل بات مجرد الرد على تغريدة أو نقاش علني يُعتبر جريمة؟ وأين هي حرية التعبير التي طالما تغنّى بها لبنان؟. واعتبر أن “اللبناني بات يعرف أن أفيخاي أدرعي ليس بالضرورة عدوًا كما صُوّر له لسنوات”.
وتابع أدرعي هجومه: “عن أي قانون تتحدثون؟ وأي تشريع تريدون تطبيقه في زمن باتت فيه معظم القوانين في لبنان مجمّدة ومعلّقة؟”. ورأى أن من يطالب الآخرين باحترام القانون “عليه أولًا أن يكون النموذج في احترامه، لا أن يختبئ خلف شعارات فارغة لستر واقع مختلّ بالكامل”.
بيان توعوي.. ودور مشترك بين الاعلام والقضاء
مصدر في وزارة الاعلام أكد لموقع “لبنان الكبير” أن البيان توعوي بحت، يهدف إلى التنبيه على خطورة التواصل غير المباشر مع العدوّ الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن “هناك مطالبات عديدة وُجهت إلى الوزارة لوضع حد لهذه الظاهرة التي بدأت تتفاعل بكثرة مؤخرًا، والبيان يراعي الحد الأدنى للحفاظ على سيادة البلد”.
وشدد المصدر على أن “حرية التعبير أمر آخر، وهي مكفولة بموجب الدستور اللبناني، لكن في المقابل، فإن التواصل مع العدوّ محظور دستوريًا وقانونيًا”، مؤكدًا أن وزارة الاعلام تقوم بدورها التوعوي والإرشادي، بينما يبقى الدور القضائي من مسؤولية الأجهزة المختصة.
أمّا حول رد المتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" على بيان الوزارة، فرأى المصدر أن “الأمر كلّه يندرج في خانة الاستفزاز”.
سياق قانوني واضح.. لا مجال للالتباس
في مواجهة هذا الخطاب المراوغ، شدد المحامي حسين شعبان، لموقع “لبنان الكبير”، على أن اعتبار “إسرائيل” كيانًا عدوانيًا وعدوًّا للبنان ليس شعارًا شعبويًا، بل هو موقف دستوري وقانوني ووطني، كرّسه البيان الوزاري للحكومات اللبنانية المتعاقبة، كما يستند إلى الواقع القانوني الدولي الذي لم يشرّع يومًا وجود هذا الكيان على أرض فلسطين.
وعليه، فإن التعامل مع العدو، بمختلف أشكاله، يُعد جريمة يعاقب عليها القانون اللبناني، لا سيما قانون العقوبات (المواد 273 إلى 278)، التي تجرّم التعامل مع “العدو” بشكل مباشر أو غير مباشر. أما ما يُطرح تحت عنوان “حرية التعبير”، فمردود على أصحابه، لأن حرية التعبير مكرّسة في الدستور اللبناني، لكنّها تتوقف عند حدود الخيانة والتواصل مع العدو، فهذه ليست حرية رأي، بل خرق أمني وقانوني يمسّ السيادة الوطنية
والرد على تغريدة تصدر عن ناطق عسكري باسم جيش يحتل أراضٍ لبنانية (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) ويرتكب يوميًا الخروق الجوية والبرية والبحرية، لا يدخل في إطار النقاش، بل هو تطبيع إعلامي مرفوض وخطير، يخالف صراحة ميثاق جامعة الدول العربية، والمادّة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تجيز للدول اتّخاذ إجراءات سلمية لمواجهة أي تهديد للسلم والأمن، ومنها قطع العلاقات والتواصل مع المعتدي.
أما على مستوى المبدأ، فإن لبنان، على الرغم من أزماته، لم ولن يتخلّى عن حقه في مقاومة الاحتلال بكلّ الوسائل المشروعة، وهو حق أقرّه الميثاق الأممي في المادّة 51، التي تعطي الدول الحق في الدفاع عن النفس في مواجهة العدوان.
الاعلام كجبهة مواجهة
محاولات العدوّ "الإسرائيلي" التسلل إلى الوعي اللبناني من بوابة الإعلام ليست سوى امتداد لحربه النفسية والدعائية، لكنّها ستفشل كما فشلت محاولاته العسكرية، لأن ذاكرة اللبنانيين محفورة بصور القتل والدمار والعدوان، لا بالتغريدات المضلّلة.
وفي ظل هذا المشهد، يبقى التمسك بالموقف القانوني والوطني حجر الزاوية في مواجهة أي محاولات للاختراق أو الترويج لخطاب التطبيع، سواء عبر الفن أو الاعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي.