اوراق مختارة

إيران تكسر المعادلة الاسرائيلية التاريخية!.. 

post-img

 غسان ريفي (سفير الشمال)

منذ العام ١٩٤٨ و"إسرائيل" تعمل على تثبيت معادلة أساسية تقوم على تحييد مدنها ومنشآتها ومؤسساتها العسكرية ومجتمعها ومستوطنيها عن الحروب التي تخوضها، حيث لم يكن الداخل "الإسرائيلي" يشعر بأية خطورة جراء ما تقوم به حكوماته من عدوان إلا من بعض العمليات العسكرية التي كان ينفذها استشهاديون فلسطينيون أو عرب للرد على المجازر التي كانت ترتكبها على مدار تاريخها الإجرامي.

مع انطلاق العدوان "الإسرائيلي" على إيران ظن العدوّ أن استهدافه القادة العسكريين من الصف الأول والعلماء النوويين والبرنامج النووي والرادارات ومصانع الأسلحة وبعض منصات الصواريخ سيؤدي إلى إرباك إيران وصولًا إلى زعزعة نظامها وتأليب الرأي العام الإيراني على قيادته، وبالتالي ستقدم "إسرائيل" خدمة كبيرة لإدارة دونالد ترامب لجهة إضعاف إيران التي ستعود إلى المفاوضات مهزومة ومنكسرة.

لذلك لم يتوان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن الإعلان عن أهداف هذا العدوان المتمثلة بإسقاط النظام في إيران وضرب المشروع النووي والقضاء على القدرة الصاروخية، وقد دخل دونالد ترامب على خط الإشادة بالعملية العسكرية الصهيونية معتبرا أنها “مثالية وقد تساهم في إنهاء البرنامج النووي الإيراني”، ما دفع "إسرائيل" ظهر يوم الجمعة الفائت وبعد العدوان الصباحي الغادر إلى مواصلة هجماتها، معتبرة أنها قادرة على مضاعفة الخسائر الإيرانية وعلى تحقيق أهداف نتنياهو الذي كان مزهوا وفخورا مع وزراء حكومته وأركان جيشه بالإنجاز العسكري "الإسرائيلي" (على حد وصفه).

لم يمر وقت طويل على العدوان "الإسرائيلي" على طهران، حتّى تحركت الصواريخ الإيرانية باتّجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، واخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية على حد سواء وأصابت أهدافها في "تل أبيب" مركز الثقل التجاري والاقتصادي والأكاديمي والثقافي والسياحي والنووي للعدو الصهيوني، وقد توالت الصليات الصاروخية التي دمرت العديد من المنشآت في عاصمة الكيان ووصلت إلى القدس والى حيفا المدينة الأكثر حيوية وذات المرفأ الدولي الهام مستهدفة المنشآت النفطية وبعض المؤسسات الهامة.

لم يكن أكثر المتفائلين يظن أن مشاهد الدمار غزّة وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت سوف تنتقل إلى "تل أبيب" وحيفا، حيث نجحت إيران في كسر المعادلة الإسرائيلية التاريخية والأساسية بإشراك المدن والمؤسسات والمنشآت ومراكز الأبحاث الإسرائيلية في تداعيات هذه الحرب وتدميرها وتحويل المستوطنين إلى أهداف ودفعهم إلى البقاء في الملاجئ فضلًا عن تعطيل كلّ أوجه الحياة في كلّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتّى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية نشرت خارطة الكيان باللون الأحمر ما يعني أن كلّ الأراضي مهدّدة بالنار الإيرانية.

لا شك في أن إيران استوعبت الضربة الأولى وهي الأهم والأبرز على صعيد تحقيق أهداف العدوان الإسرائيلي، وبدأت صواريخها تصول وتجول في سماء فلسطين المحتلة تمهيدًا لانقضاضها على الأهداف الحيوية وقد تصاعد الرد تباعًا وهو من المفترض أن يتطور بشكل مطرد في حال استمر العدوان "الإسرائيلي" على الأراضي والمنشآت الإيرانية، خصوصًا أن الجمهورية الإسلامية تمتلك أنواعا مختلفة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية التي باتت قادرة على اختراق الدفاعات الجوية في أي وقت، حتّى أن مسؤولين إسرائيليين استغربوا دقة الأحداثيات الإيرانية في إصابة الأهداف الإسرائيلية.

لا شك في أن كسر المعادلة الإسرائيلية وضرب المجتمع الصهيوني بشعبه ومؤسساته ومنشآته ومبانيه، ساهم في إرباك الحكومة الإسرائيلية التي تراجعت عن لغة الإنجازات العسكرية إلى مزيد من التهديد والوعيد واعتماد البروباغندا الإعلامية لطمأنة الداخل "الإسرائيلي" الذي وبحسب رئيس بلدية بيت يام في "تل أبيب" “لم يكن ليخطر بباله أن يشاهد هذا الدمار في مدينته”.

كما أدى ذلك إلى وقوع الرئيس الأميركي في تناقض كبير في تصريحاته، فبعد أن وصف العدوان "الإسرائيلي" بالهجوم المثالي، أكد أن “أميركا قد تدخل الحرب إلى جانب إسرائيل”، وفي الوقت نفسه شدد على ضرورة “وقف هذه الحرب”، وتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالبا وساطته للعودة إلى الدبلوماسية، وكذلك عرض ترامب على إيران العودة إلى طاولة المفاوضات.

ولعل من عناصر القوّة التي أظهرتها إيران هي رفضها العودة إلى المفاوضات، خصوصًا أن العدوان "الإسرائيلي" عليها كان يهدف إلى إضعافها وقد عبر عن ذلك مسؤولون إسرائيليون بالقول إن “إيران قبل الهجوم ليست كما بعده”، في إيحاء بأنها قد تذهب إلى المفاوضات من دون أنياب، لكن إيران التي نجحت في تحقيق التوازن العسكري تتمسك ببرنامجها النووي إلى أبعد الحدود وهي لن تتخلى عن حقها الذي تعتبره مشروعًا.

لذلك، فإن الرئيس ترامب قد يعطي نتنياهو المزيد من الوقت لتحقيق أهداف عدوانه على إيران، وفي حال صمود الجمهورية الإسلامية واستمرارها في إيلام "إسرائيل" ومجتمعها بالصواريخ التدميرية اليومية، فإن ترامب قد يفعّل الدبلوماسية بالتعاون مع الدول الفاعلة، وصولًا إلى تسوية تساهم في إيقاف الحرب، وتلحق هزيمة ب"إسرائيل"  ونتنياهو على حد سواء قد تكون مماثلة لهزيمة طوفان الأقصى.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد