تشهد الساحة السياسية والإعلامية في الغرب حالًا من الارتباك والانكشاف، بعد أن فقدت حملات التشهير التي تتهم المدافعين عن الحقوق الفلسطينية بـ”معاداة السامية” فعاليتها المعتادة.
الغرب بات يعد الهتاف ضد جيش أجنبي ينفّذ إبادة جماعية أمرًا غير مقبول، بينما يُغضّ الطرف عن الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين من قِبل الجيش ذاته
في نيويورك، فاز السياسي المسلم زهران ممداني بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب رئيس بلدية المدينة، رغم حملة شرسة حاولت وصمه بعداء اليهود بسبب مواقفه المؤيدة لفلسطين. وقد أثار هذا الفوز صدمة واسعة في أوساط الدوائر الداعمة لــ"إسرائيل" التي اعتادت توظيف مثل هذه التهم لإقصاء الأصوات المعارضة.
بالتزامن، ظهرت موجة جديدة من الخطاب المعادي للمسلمين في الإعلام والمنصات الاجتماعية، وصفها مراقبون بأنها الأشد منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. وترى الكاتبة كيتلين جونستون أن هذا التحامل سيتبدد عند أول تحوّل استراتيجي في السياسة الغربية نحو الصين، حيث ستُستدعى فجأة “قضية الإيغور” للتعبير عن “القلق” على المسلمين هناك.
في بريطانيا، فجّرت فرقة راب جدلًا واسعًا بعد أدائها أغنية تخللتها هتافات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما دفع الشرطة إلى فتح تحقيق، وسط إدانات رسمية وهجمة من جماعات الضغط المؤيدة للكيان الذي رأى أن ما حدث شكل من أشكال “معاداة السامية”.
تطرح جونستون مفارقة لافتة في هذا السياق، إذ ترى أن الغرب بات يرى الهتاف ضد جيش أجنبي ينفّذ إبادة جماعية أمرًا غير مقبول، بينما يُغضّ الطرف عن جرائم يرتكبها الجيش نفسه بحق المدنيين الفلسطينيين.
تؤكد الكاتبة أن كراهية سياسات "إسرائيل"، في ظل الجرائم المستمرة، أصبحت في نظر كثير من الأمريكيين موقفًا وطنيًا مشروعًا، خاصة مع تزايد محاولات "تل أبيب" دفع واشنطن نحو مواجهة مع إيران. وترى أن جعل دعم "إسرائيل" عبئًا سياسيًا في الداخل الأمريكي قد يكون السبيل الوحيد لوقف هذا التوجه الخطير.
في ضوء ذلك، تتوالى مؤشرات تآكل السيطرة الإعلامية الإسرائيلية، سواء من خلال تراجع فعالية تهمة “معاداة السامية”، أو عبر اعترافات لجنود إسرائيليين نشرتها صحف إسرائيلية عن فظائع ارتُكبت في غزة، أو من خلال رفض فئات من الجمهور الغربي الانصياع للرواية الرسمية.
تختم الكاتبة بالإشارة إلى أن ما يحدث اليوم – من صعود سياسي مسلم مؤيد لفلسطين في قلب نيويورك، إلى هتافات تُندد بالاحتلال في العواصم الغربية، إلى تصدّع رواية التفوّق الأخلاقي لــ"إسرائيل"، يمثل تحوّلًا نوعيًا في المزاج العام، ويكشف تراجعًا في النفوذ الذي طالما فرضته الجهات الداعمة للكيان على الخطاب السياسي والإعلامي الغربي.