حسين كوراني
أثارت الأحداث التي حصلت في ريف السويداء، في جنوب سوريا مؤخرًا، والمجازر التي ارتكبتها قوات مسلحة بحق الدروز هناك قيل إنها تحت أمرة رئيس السلطة الانتقالية في دمشق أحمد الشرع .. ويتبدى ذعر ومخاوف عند غالبية اللبنانيين من أن تمتد شرارة هذه المعارك الدموية الى لبنان، ما حدا بعدد من الشخصيات السياسية والدينية إلى مراجعة مواقفهم أزاء قضية يسمونها "سلاح المقاومة". خاصة أن معارك السويداء لم تعد محصورة في جغرافيا سورية درزية، بات من الممكن أن تتمدّد نحو لبنان لتطال مكونات الشعب اللبناني كله.
الخوف الذي كان خجولًا صار معلنًا الآن، فالمسيحيون خائفون، الدروز خائفون، الأقليات تشعر بالرعب، والشيعة الذين يُطلب منهم تسليم سلاح المقاومة، باتوا اليوم أكثر التصاقًا به لا لردع "إسرائيل" فحسب، أيضًا لدرء ما يصفونه بـ"الخطر الوجودي" المتمثل بـ"داعش" ومثيلاتها من الجماعات التكفيرية.
وعليه، عبّر موقف أحد مشايخ الدروز، خلال وقفة تضامنية دعمًا لأهالي السويداء في جبل لبنان، عن هواجس اللبنانيين من إجرام هذه الجماعات التكفيرية، حين قاطع النائب مارك ضو على الهواء، وقال له إن: "الكرامة بالسلاح، أوعى حدا يصدق"، ليرد عليه ضو قائلاً: "ما عم نقول إنه يسلموا السلاح"، في ذلك إشارة إلى دروز السويداء. وهنا لا بد من التوقف قليلاً عند كلام النائب ضو، والذي يرفض فيه أن يسلّم أبناء طائفته سلاحهم في سوريا خوفًا عليهم من بطش التكفيريين، لكن لا يخاف على أبناء وطنه من اعتداءات "إسرائيل" اليومية بحقهم حين يطالبهم بتسليم سلاح المقاومة الذي حرّر الجنوب وحمى لبنان لسنوات طويلة.
في السياق ذاته، قال رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال إرسلان: "أنا لا أسلّم سلاحي، في ظل هذا الوضع"، معربًا عن قلقه من ذلك الوضع المشين الذي يتعرض له أهالي السويداء من بطش وإجرام العصابات التكفيرية التي لم توفر حتى المرضى في المستشفيات، فارتكبت بحقهم أبشع أنواع القتل.
لكن التصريح الأكثر وقعًا كان ذلك الذي أدلى به النائب الكتائبي نديم الجميل، في مقابلة تلفزيونية عبر محطة "LBC"، حين قال: "صحيح أن الذي حصل في سوريا موجه ضد الدروز، لكن في لبنان الكل خائف، المسيحيون والشيعة والدروز والأقليات كلهم خائفون.. وكذلك صار فيه عاطفة على سلاح حزب الله ومن مسوّغ جديد (لبقائه)، وأنا من الممكن أن أتفهم هذا الشعور في الشارع اللبناني، وخاصة الشيعي، من أن سلاح الحزب أصبح ضروريًا ليس فقط لقتال إسرائيل، بل لمواجهة داعش نتيجة غياب دور الدولة".
بهذا الكلام، نديم الجميّل لا يسوّغ السلاح، لكنه يلتقط التحوّل في وجدان الطوائف اللبنانية. السلاح لم يعد عنوان صراع سياسي فقط، لقد أضحى ملاذًا عند الانهيار. لم يعد مجرد تهديدٍ لهيبة الدولة، أضحى وسيلة حماية عند غيابها.
المواقف هذه، لاقت ترحيبًا عند شريحة كبيرة من اللبنانيين، إذ غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات التي أبدت تضامنها مع سلاح المقاومة الذي حمى لبنان من مخططات الكيان الصهيوني والتكفيريين.
هذه الهواجس عند اللبنانيين لم تبلورها أحداث مجازر السويداء وحسب، إذ سبق للجماعات التكفيرية أن شنّت هجمات في شهر آذار/مارس الماضي على العلويين في الساحل السوري، بعد أن سلموا أسلحتهم بأيام وقتلت الآلاف منهم وأحرقت بيوتهم. كما شّنت في الشهر ذاته هجومًا على بعض القرى عند الحدود اللبنانية في البقاع الشمالي، وهجّرت أهلها منها بعد أن قتلت العشرات منهم.. والغاية، بحسب المراقبين، هو جرّ المقاومة إلى حرب استنزاف تأخذ بُعدًا طائفيًا. هذا في وقت ما تزال الخلايا النائمة لهذه الجماعات تتربص شرًا بلبنان، حيث أوقفت مخابرات الجيش عددًا منها، وفي حوزة بعضها أسلحة ومتفجرات.
كما أنه لم يغب عن بال الجميع التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس، في مدينة دمشق في 22 حزيران/يونيو الماضي، وأدى إلى مقتل 25 مصليًا وإصابة قرابة 60 آخرين من المواطنين السوريين المسيحيين.
في الآونة الأخيرة؛ شهدت الحدود اللبنانية مع سوريا مجددًا تحشيدات للتكفيريين مدججة بأسلحة ثقيلة، ما أعاد إلى الأذهان السيناريو الذي تحدث عنه بعض المراقبين من هجوم سوري قادم من الشرق بالتزامن مع هجوم إسرائيلي قادم من الجنوب.
إذًا، كل هذه الأحداث خلقت نوعًا من القلق من قيام هذه الجماعات في الهجوم على لبنان، إذ لم يعد التّحدي اليوم كيف نُقنع حزب الله بتسليم السلاح، بل كيف تُقنع الدولة اللبنانية كل مواطنيها أنها قادرة على حمايتهم؟.
وذلك؛ لأن الخوف الذي وحّد الطوائف أخطر من أي انقسام سابق. والخوف حين يتملّك من صاحبه يغيّر المعادلات، ويخلق "تفهّمًا" لِما كان يُعدّ خطيئة سياسية بنظرهم. لذلك؛ قد لا تُفاجئ في تبدل موقف العديد من السياسيين من نزع سلاح المقاومة، أو في الحدّ الأدنى تغير في موقفها والانتقال من موقف نزع السلاح إلى رفض الاستعجال في هذا الأمر.