أوراق ثقافية

اليمين الأميركي محرّضًا على أطفال غزة: فليتضوّروا جوعًا!

post-img

علي سرور/جريدة الأخبار

«دعوهم يتضوّرون جوعًا»! لم يجد عضو الكونغرس اليميني راندي فاين حرجًا في كتابة هذه العبارة، محرّضًا على تجويع قطاع غزة إلى حين الإفراج عن الأسرى الصهاينة. تصريحه يعكس النبرة العنصرية السائدة بين السياسيين الأميركيين الذين يجرّدون الفلسطينيون من انسانيت

في زمن المجاعة والمذابح الجماعية بحقّ قطاع غزة المحاصر، لم يعد الصمت هو الجريمة الوحيدة، بل بات هناك من يجاهر علنًا بدعمه للتجويع، ويبارك موت الأطفال، بل ويُكذّب وجودهم أصلًا. هذا تمامًا ما فعله عضو الكونغرس الأميركي، راندي فاين، في منشور صادم نشره يوم الثلاثاء على منصة «إكس»، ردًا على خبر من شبكة ABC News عن وفاة 15 فلسطينيًا، بينهم أربعة أطفال، جراء المجاعة في غزة خلال 24 ساعة فقط.

وجاء في منشور ممثل ولاية فلوريدا: «أفرجوا عن الرهائن. حتى ذلك الحين، دعوهم يتضوّرون جوعًا. (هذا كلّه كذب على أي حال. يذهلني أن الإعلام لا يزال يعيد نشر دعاية الإرهاب الإسلامي.)»

الكراهية تخرج من تحت العباءة

بهذه الكلمات، سقط القناع عن وجه واحد من أكثر السياسيين تطرفًا في المؤسسة الأميركية، وعن نبرة سياسية تُعبّر، وإن بصراحة نادرة، عما يختلج في صدور عدد كبير من الساسة والداعمين في واشنطن: احتقار الفلسطيني، إنكار موته، وتجريده من إنسانيته.

كلام فاين لم يأتِ من فراغ، فهو نائب جمهوري معروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، وعضو نشط في التحالف المسيحي الصهيوني داخل الولايات المتحدة. لطالما عبّر عن دعمه غير المشروط لإسرائيل، حتى إنه حاول في عام 2023 إصدار قانون يمنع الجامعات من استضافة أي نشاط يُصنّف «معاديًا لإسرائيل». لكن تغريدته الأخيرة لم تُعبّر فقط عن موقف سياسي، بل كشفت عن تحريض مباشر على استخدام الجوع كسلاح حرب، في خرق واضح لاتفاقيات جنيف.

حين يصبح الجوع سلاحًا معلنًا

لا تكتفي إسرائيل بحصار غزة وقصفها بلا هوادة، بل بات الجوع اليوم وسيلة معتمدة لإخضاع مليونَي إنسان. هذا ليس وصف سياسي انحيازي أو اقتباس لأحد قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، بل هو ما أكّده كبار مسؤولي الأمم المتحدة الذين وصفوا الأوضاع في القطاع بـ«المجاعة الفعلية»، حيث يموت الأطفال يوميًا من نقص الغذاء والماء والدواء.

في هذا السياق، لا يمكن اعتبار كلام فاين زلّة لسان، بل هو جزء من منظومة دعائية تسعى إلى شيطنة الفلسطيني، وتجريم حتى الطفل الذي يموت جوعًا. وبدل أن يشكّل موت الأطفال مأساة إنسانية تستدعي الرحمة، بات في خطاب هؤلاء أداة ابتزاز سياسي.

ليس شاذًا... بل معبّرًا

خطورة ما قاله فاين لا تكمُن فقط في قسوته، بل في كونه لم يُواجه بأي مساءلة تُذكَر من الكونغرس الأميركي، ولا حتى من وسائل الإعلام الكبرى. على العكس، صمت الإعلام الأميركي عن التصريح، كأنّ كلام فاين لا يستحق التوقّف عنده، أو كأن موت الأطفال الفلسطينيين لا يستحق الغضب.

وهنا تتّضح بجلاء معايير التمييز الأخلاقي والسياسي في الغرب، حيث يُعاقَب من ينتقد إسرائيل، ويُكافَأ من يدعو إلى تجويع شعب بأكمله.

من هو راندي فاين؟

راندي فاين عضو جمهوري في مجلس نوّاب ولاية فلوريدا منذ عام 2016. يأتي من قطاع ألعاب القمار والترفيه، وعُرف خلال السنوات الماضية بخطاباته النارية ضد الأقليات والمثليين والمسلمين، فضلًا عن دعواته لحظر الكتب في المدارس التي تتناول «قضايا حسّاسة» مثل العنصرية أو التاريخ الفلسطيني.

تعود أصول فاين إلى عائلة يهودية، ويُعدّ من أبرز الوجوه الجمهورية التي تروّج لدمج الدعم لإسرائيل ضمن العقيدة السياسية للمحافظين الجدد. وغالبًا ما يستخدم فاين لغة دينيّة في تغريداته، ويقدّم نفسه على أنه مدافع عن «الحق اليهودي المطلق» في الأرض.

حين يسقط القناع الأميركي

لم تكن تغريدة فاين حدثًا معزولًا: لقد جاءت بعد أشهر من التحريض الممنهج على الفلسطينيين في أروقة الإدارة الأميركية الحالية، وبعد حملة شيطنة طالت كل من يُبدي تعاطفًا مع غزة أو ينتقد العدوان الإسرائيلي. ويبدو أن فاين لم يبتدع شيئًا، فما قاله علنًا هو ما يتداوله سواه همسًا: موت الغزّي جوعًا لا يُقلقهم، بل يُريحهم.

على الرغم من أنّ المنتصر يكتب التاريخ، إلا أنّ العار لا يُمحى، وسيظلّ هذا الفصل الأسود يُلطّخ سياسة أميركية تقتل الفلسطيني مرة بالقصف، ومرة بالتجويع، ومرة بالإنكار.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد