اوراق مختارة

ضحايا انفجار المرفأ: شهادات تروي المعاناة والإهمال

post-img

حسين بداح (جريدة الأخبار)

خمسة أعوام مرّت على انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، وما تزال الندوب محفورة في أجساد الجرحى وذاكرتهم. ففيما تغيب الحقيقة ويتعثّر مسار العدالة، يعيش مئات المصابين بدرجات متفاوتة، تداعياتٍ صحية ونفسية ترخي بظلالها الثقيلة على يومياتهم، وتحيل كل ذكرى إلى وجعٍ مضاعف.

جراحٌ بلا علاج وندوبٌ بلا اعتراف

يروي بعض الضحايا الذين تضرروا من تفجير مرفأ بيروت، معاناتهم المستمرة منذ الرابع من آب عام 2020.
مريم حجازي، أم لأربع فتيات، واحدة من مئات الجرحى الذين خلّفهم انفجار مرفأ بيروت، وترك فيهم ندوباً لا تُشفى.

فقدت مريم إحدى عينيها، وخضعت لاحقاً لعملية زرعت على إثرها عيناً اصطناعية، تكفّلت بها وزارة الصحة، ولكنّ تكاليف العلاج المستمر فاقت إمكاناتها، ولم تجد من يُلبّي نداءها، وأصيبت أيضاً بعينها اليسرى، وهي معرّضة لتفقد البصر كلياً نتيجة إهمال العلاج.

في غياب الدعم، اضطُرت ابنتها الكبرى إلى تحمّل عبء الإنفاق على العائلة. أما مريم، فانضمت إلى جمعية تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، على أمل تأمين دخل، ولكنها وجدت نفسها مع زملائها تعمل فوق طاقتها، فيما التقديمات تُهدر على منازل وسيارات فارهة حازها المسؤولون.

وكل ما نالته مريم من هذا الجهد، قطرات لا تسمن ولا تغني من ألم، مع تجاهلٍ واضح من قبل المعنيين، حتى ملّت من طلب المساعدة بعد سنوات، إذ إن صوتها بات لا يُسمع، وإن سُمع لا يحرّك ساكناً في ضمائر المعنيين.

أما علي قانصوه، فهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره، أصيب بإعاقة دائمة جرّاء انفجار المرفأ، ومنذ ذلك الحين، لا يمرّ عليه يوم دون ألم.

والدته، السيدة ريما الجاروشي، تقف على خط المواجهة منذ خمس سنوات، تحاول بكل ما أوتيت من طاقة أن تخفّف وجع ابنها الذي يلازمه ليلاً ونهاراً، وتقول بحسرة إنها لم توفّر وسيلة إلا وطرقتها، حتى اضطرت إلى بيع بعض مقتنيات المنزل لتأمين تكاليف العلاج الباهظة.

لكنّ الكارثة الأكبر كانت باختفاء الدواء الوحيد الذي أثبت فعاليته في تسكين ألم علي، وعجزها عن تأمينه من الخارج، في ظلّ تجاهل رسمي واجتماعي قاتل، وضيق الحالة المادية.

لكن، تشير ريما إلى أنّ وزير الصحة ركان ناصر الدين بادر بمساعدة محدودة، وتُقدّر له ذلك، ولكنّها تسأل: «هل يُعقل أن تُختصر مسؤولية الدولة كلها في مبادرة فردية؟».

أما جوزاف غفري، فقصته تجسّد الإهمال بشكل صارخ. فقَدَ رجله اليمنى، كُسر كتفه الأيمن، وخضع لسبع عمليات جراحية على حساب الدولة، بعد مماطلة.

يقول جوزاف إن «الدولة رمت الجرحى في منازلهم»، دون أن تسأل عن احتياجاتهم أو تؤمّن لهم حتى الأدوية الأساسية. فالطرف الاصطناعي الذي يستخدمه لم تقدّمه الدولة، بل قدمت له جهة لبنانية واحداً، وجهة إماراتية آخرَ.

لكن الأهم بالنسبة إلى جوزاف، ليس فقط الدعم المادي، بل العدالة، كما قال: «نريد محاكمة، نريد الحقيقة، نريد حقّنا المعنوي قبل أي تعويض مادي».

دعم محدود ورعاية قاصرة

يؤكد الناطق باسم تجمع أهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار المرفأ إبراهيم حطيط، لـ«الأخبار»، أن الجرحى أُحيلوا إلى الضمان الاجتماعي ووزارة الشؤون الاجتماعية بموجب قرار رسمي، إلا وزارة الشؤون اعتُبرت غير معنية مباشرة، والضمان كان من المفترض أن يغطّي العلاج بنسبة 100%.

وبعد 3 أو 4 أشهر، تبيّن أن الضمان لم ينفذ القرار، لأن مجلس النواب لم يحدد الجهة التي تسدد الاشتراكات. فيما مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي لم يعِد إحالة المذكرة إلى مجلس النواب لتعديلها.

ويروي حطيط أن اقتراح القانون المقدّم لتعديل الإحالة ومساواة الجرحى بجرحى الجيش لم يُمرَّر بسبب الأوضاع السياسية وعدم وجود حكومة قبل عامين ونصف عام.

ويعتبر أن الحل الجذري هو إقرار قانون لمساواة جرحى المرفأ بجرحى الجيش، ليحصلوا على معاش وتعويض وعلاج وتعليم مجاني.

الخلاصة، عدد من الجرحى يؤكدون اليوم أنّهم يشعرون وكأنهم «أرقام في أرشيف منسي»، لا يَظهر صوتهم في الإعلام، ولا يجدون من يحمل قضيتهم في المحافل الرسمية، مع استمرار التعتيم على التحقيقات وغياب المساءلة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد