اوراق مختارة

هل ينجح الحاج في تهريب مرسوم ترخيص «ستارلينك»؟

post-img

رلى إبراهيم (جريدة الأخبار)

تحت عنوان «عرض مساعي وزارة الاتصالات لتوفير خدمات إنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، والعروض التي تلقّتها من شركات عالمية عاملة في هذا المجال»، سيحاول وزير الاتصالات شارل الحاج في جلسة مجلس الوزراء اليوم، تمرير مرسوم الترخيص لـ«شركة ستارلينك لبنان ش.م.ل» بتقديم خدمات توزيع الإنترنت على كامل الأراضي اللبنانية عبر الأقمار الاصطناعية المشغّلة من قبل شركة «SpaceX». والأرجح أن الوزير القواتي يُعوِّل على تَلهِّي الوزراء بموضوع سلاح حزب الله ليمرّر بند خرق السيادة الرقمية وكشف داتا اللبنانيين أمام «ستارلينك» ومن يقف وراءها. والأخطر من استعجال الحاج الترخيص لهذه الشركة بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء من دون إجراء مناقصة والمرور بالشراء العام، هو العقد الموقّع بين وزارة الاتصالات و«ستارلينك»، والذي ينص على تجميع شركة «SpaceX» الداتا في قطر، أي في نقطة وجود الشركة، على أن تخزّنها في خوادم هيئة «أوجيرو» الموجودة في قطر أيضاً. لكنّ الواقع أن لا خوادم لـ«أوجيرو» في قطر، والوزير أقحم اسم الهيئة للصقه على خوادم الشركة الخاصة، في مسعى لتأكيد حمايته لبيانات اللبنانيين. ففي الفقرة نفسها التي يتم التطرّق فيها إلى توجيه ونسخ حركة بيانات مستخدمي «ستارلينك - لبنان» عبر خوادم «أوجيرو» في قطر، يُذكر في العبارة التي تليها أن «على الشركة تقديم الدعم الكامل والتعاون مع أوجيرو لتوفير الوصول إلى النسخة المنسوخة من بيانات مستخدمي لبنان وضمان أمن وسلامة وسرية المعلومات حتى تسليم النسخة إلى أوجيرو (...) ويجب على الشركة بذل أقصى جهودها لتمكين الفريق المكلّف من وزارة الاتصالات من الوصول إلى معدّات هيئة أوجيرو المُثبتة في قطر وتفقّدها». فإذا كانت المعدّات والخوادم لـ«أوجيرو»، لماذا يتم الطلب من الشركة الوصول إليها، إلّا إذا كانت الغاية الحقيقية استخدام اسم «أوجيرو» لتزوير الحقائق، تماماً كما حصل في اجتماع ممثّلي الأجهزة الأمنية في تاريخ 21 شباط من العام الجاري في وزارة الاتصالات؟ فبحسب ملخّص التقرير، تمّ عرض موضوع «ستارلينك» بحضور الوزير والمدير العام للاستثمار والصيانة في الوزارة باسل الأيوبي والمدير العام للإنشاء والتجهيز ناجي أندراوس إلى جانب العميد جمال قشمر من المديرية العامة للأمن العام والعقيد مطانس نصرالله من الجيش اللبناني. كذلك يذكر التقرير وجود شخصين من دون إعطائهما أيّ صفة، هما: كارول الحاج (شقيقة وزير الاتصالات)، وداني دويك. اللافت أن هذا الاجتماع لم يضم أيّ ممثل عن «أوجيرو» أو «SpaceX»، ورغم ذلك تمّ الاتفاق في نهايته على «إعطاء الموافقة الأمنية لشركة SpaceX لبدء العمل في لبنان، على أن يتضمّن العقد مع الشركة بنداً يؤكد إجراء تجارب نهائية للتأكد من أن الآلية المُعتمدة بين الشركة وأوجيرو ستعطي النتائج نفسها التي زوّدت بها الشركة وزارة الاتصالات سابقاً». هذا التقرير المُلخّص بورقة واحدة عبارة عن محضر اجتماع يثير الريبة في الشكل، ولا سيما أن الأجهزة الأمنية دأبت في عهد وزير الاتصالات السابق جوني القرم على إرسال كتب تفصيلية بالتحديات الأمنية الناتجة من دخول الشركة الأميركية إلى البلد من دون ضوابط أو تشريعات تحمي خصوصية المواطنين، لتوافق اليوم على مضض، وبطريقة غير اعتيادية، ومن دون إصدار كل جهاز أمني تقريراً على حدة، ما يجعل التساؤل مشروعاً حول الطارئ الذي أدّى إلى قبول تلك الأجهزة بتخزين داتا وبيانات اللبنانيين في قطر.

مع العلم أن هذه المشكلة سبق أن واجهتها الدولة مع مشروع «Impact» الذي أنجزته شركة بريطانية بالتعاون مع «التفتيش المركزي»، إذ كانت الداتا تخزّن على خوادم في هولندا وألمانيا، قبل أن يتم نقل الخوادم الى لبنان بضغط من الأجهزة الأمنية. ويُشار أيضاً إلى أن ثمة تناقضاً في المعلومات التي تقدّمها الوزارة ويُفترض توضيحها، خصوصاً البند التاسع من عقد الترخيص بعنوان الشروط الأمنية. فبحسب مصادر المديرية العامة للأمن العام، أرسلت المديرية كتاباً واضحاً إلى وزير الاتصالات حدّدت فيه الضوابط الأمنية المطلوبة لحماية الداتا ومصالح الدولة اللبنانية وربطت موافقتها على عمل الشركة بتطبيق تلك الشروط. إلّا أن الوزير لم يورد هذا الكتاب في الملف المعروض على مجلس الوزراء، ولا إذا كانت الشركة قد وافقت على تطبيق تلك الشروط وكيفية مراقبتها، ما يوجب على الوزراء المعنيين ولا سيما وزير الداخلية أحمد الحجار ووزير الدفاع ميشال منسى إبداء رأي واضح في هذا الخصوص ومصارحة اللبنانيين بالتفاصيل التي جعلتهما يوافقان (في حال موافقتهما) على كشف داتا المواطنين. كذلك لا يذكر المرسوم أن هذه الخدمة ستكون متوفّرة حصراً للشركات الكبيرة والمؤسسات وليس للأفراد، ما يسمح للشركة بالتوسّع من دون أن تحاسب قانونياً. كما أنه لا يأتي على ذكر مكان تخزين الداتا والبيانات، أي في قطر، وليس ضمن الأراضي اللبنانية، وهو ما يعني عدم قدرة الأجهزة الأمنية على الاطّلاع على المعلومات بشكل مباشر كما يحصل حالياً، وإنما انتظار ما لا يقل عن أسبوعين لتلبية طلباتها، مع العلم أن السبب الرئيسي وراء تعليق ملف «ستارلينك» سابقاً كان رفض الأجهزة الأمنية منحها «Clearance» للمضي في العمل. فهل سقطت هذه الاعتبارات سهواً من بال الوزير أو هو «تزوير» عن سابق تصوّر وتصميم؟

إنجازات الوزير الوهمية

في موازاة الخطر الأمني، يبدو استعجال الحاج طرح موضوع «ستارلينك» غير مفهوم، خصوصاً أنه يتحدّث بنفسه عن تلقّي الوزارة عروضاً من عدد من الشركات العالمية ومنها «أوتلسات» Eutelsat و«أرابسات» Arabsat اللتان تقدّمان أيضاً خدمات إنترنت عالية السرعة عبر الأقمار الاصطناعية. وعلمت «الأخبار» أن الشركتين طلبتا مهلة شهرين لتجهيز ملفاتهما. لكنّ الوزير وجد أن مصلحة الدولة اللبنانية وقطاع الاتصالات تكمن في الإسراع بالترخيص لـ«ستارلينك» قبل غيرها، وعدم انتظار طلبَي الشركتين لإجراء مناقصة قانونية، ربما لقطع الطريق أمام منافسة الشركات في ما بينها والحصول على العرض الأفضل اقتصادياً وأمنياً. ويُفترض في هذه الحالة سؤال الوزير عن النية من وراء هذا الاستعجال، رغم علمه المُسبق أن السوق اللبناني محدود وتلزيم الخدمة لشركة سيحول دون تقديم عروض من شركات أخرى. أما الادّعاء بأن السبب ينحصر في الخوف على القطاع من إغلاق الشركات أبوابها وإيقاف استثماراتها في لبنان، فيحمل شيئاً من السذاجة، خصوصاً أن الحاجة الرئيسية وراء اعتماد خدمة الإنترنت عبر الاقمار الاصطناعية تنحصر بسببين: الأول الافتقاد للتغطية في الأرياف والمناطق النائية، كمناطق في أفريقيا مثلاً، حيث ثمة قدرة لـ«ستارلينك» على تعبئة هذا الفراغ، وليس في بلد صغير المساحة كلبنان. والنقطة الثانية هي «اللوكس»، أي تأمين إنترنت في الصحراء على سبيل المثال أو ضمن اليخوت الكبيرة وفي الجبال البعيدة. وبالتالي التهويل بهروب الاستثمارات غير قائم في حال لبنان. بل إن إدخال «ستارلينك» إلى لبنان لن يؤدّي سوى إلى ضرب السوق المحلي وخسارة الدولة جزءاً من إيراداتها على المدى البعيد، عدا احتمال عدم اشتراك الشركات في هذه الخدمة بسبب كشف الداتا خارج الأراضي اللبنانية. وكان الأحرى بالوزير الراغب بتحويل لبنان إلى مركز إقليمي للتطور الرقمي، تنظيم فوضى الإنترنت والعمل على مدّ شبكة متكاملة على كل الأراضي اللبنانية، وإيجاد حلول لمشكلات الصيانة والشبكات غير الشرعية التي تسطو على غالبية مشتركي الإنترنت. لكن يبدو أن فشل الوزير في هذه المهام وفي تحقيق إنجاز جدّي يدفعانه نحو الهرولة إلى مشاريع مُضِرّة بالقطاع وبالسيادة الرقمية على حدّ سواء.

«هيئة التشريع» تُشرّع التجاوزات

أخيراً، في الملف المُقدّم من الوزير إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، يتسلح الحاج بـ«هيئة التشريع والاستشارات» للهروب من القوانين، ولا سيما قانون الشراء العام، إذ رأت الهيئة أن المادتين الثانية والرابعة من مشروع المرسوم لا تمنحان «ستارلينك» أي حق حصري ولا تحولان دون منح غيرها تراخيص مماثلة، ولا ترتبان على الدولة أي عبء مالي تجاه الشركة أو تجاه الغير، كما أنّ «ستارلينك» لا تتحمل أي مسؤولية من جراء تقديم الخدمات، ما يجعل موضوع الترخيص خارج دائرة تطبيق قانون الشراء العام ومتوافقاً مع قانون المنافسة الرقم 281/2022. واستندت الهيئة إلى الرسوم التي ستستوفيها الوزارة من الشركة، وهي كناية عن رسم مقطوع بقيمة 25 ألف دولار أميركي يُسدّد سلفاً عن مدة سنتين ورسم آخر هو 25% من مجموع فواتير القبض الصادرة عنها لمشتركيها، وقبل احتساب الضريبة على القيمة المضافة. وأسقطت الهيئة من بالها عدم وجود أي دراسة جدوى مالية حول الكلفة المترتّبة على الدولة اللبنانية جرّاء بيعها التردّدات لـ«ستارلينك»، وعن الضرر من دفع المشتركين فواتير بالدولار إلى شركة خارج لبنان في وضع اقتصادي يستلزم الإبقاء على كل العملات الأجنبية في بلد عملته الليرة اللبنانية، ولا يقوم بطباعة الدولار. كذلك برّرت الهيئة للوزير مخالفة قانون الاتصالات الرقم 431/2002 بسبب عدم تأليف الهيئة الناظمة للاتصالات وعدم صدور مراسيمها التطبيقية لكونها صاحبة الصلاحية في هذا الموضوع. مع العلم أن مجلس الوزراء يستكمل التعيينات في كل الهيئات الناظمة بما فيها قطاع الاتصالات. والوزير كان قد طلب مهلة لاقتراح اسم رئيس للهيئة، وهو ما يثير شكوكاً حول تَقصّد الحاج المماطلة في التعيين إلى حين تمرير ملف «ستارلينك». وعليه، اعتبرت الهيئة أنه نتيجة تعذّر تطبيق قانون الاتصالات، يُعمل بأحكام المرسوم 126/1959 الذي ينص على الترخيص بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى أي تدخل تشريعي. في المحصّلة، بات ملف «ستارلينك» أمام مجلس الوزراء بكل المخالفات والثغرات الأمنية التي تعتريه، فهل يخضع المجلس للضغوطات الخارجية ويدقّ المسمار الأخير في نعش قطاع الاتصالات، ويسمح بخرق سيادة البلد الرقمية في عصر الحروب السيبرانية؟

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد