اوراق مختارة

 حكومة سلام تفرط بقوة لبنان

post-img

إسراء الفاس (العهد)

وقف رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، يوم الثلاثاء الماضي، مستندًا إلى ما يمثله من وصاية الخارج وضغوطه، وكأنه يقول: "اشهدوا لي عند الأمير"، أدلى بتصريح مقتضب، وتهرّب من الإجابة عن الأسئلة، معلنًا إنجازه "التاريخي" أنه أطلق حملة تجريد لبنان من قوته المتمثلة بسلاح المقاومة، تحت شعار: "حصرية السلاح". خاطب اللبنانيين، فيما كانت المسيّرات والطائرات الحربية تجوب سماء البلد، تعتدي ويسقط شهداء. لم يكن إعلانه موجهًا للعدو بل للداخل، فمن على منبر الرئاسة اللبنانية زجت حكومة سلام بالجيش في معركة لم تكن له، وأرادت بقرارها أن تنهي معادلة القوّة الوحيدة التي مكنّت لبنان من فرض نفسه كفاعل إقليمي طوال العقود الماضية؛ معادلة: الجيش، والشعب والمقاومة. 

المعادلة التي تخضبت بالدماء طوال العقود الماضية، كانت تكرست في كلّ البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، ومنها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008، بعد اتفاق الدوحة. يومها نص البيان الوزاري بصراحة على حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع أراضيه المحتلة والدفاع عن نفسه بكافة الوسائل المتاحة. لم تكن تلك المفردات مجرد تجلٍّ لملامح مرحلة سياسية وموازين قواها، بل نتاج تاريخ ومسار، كان فيه الجيش مع المقاومة والشعب، كلٌ في خندق واحد؛ تحت الاستهداف أو في مواجهة الاعتداءات.

من اجتياح العرقوب عام 1972، والتصدي البطولي للجيش اللبناني الذي أسفر عن استشهاد 19 من جنود الجيش اللبناني وإصابة نحو خمسين آخرين، إلى العام، 1997 عندما امتزجت دماء 9 شهداء للجيش والمقاومة في غارة "إسرائيلية" على بلدة عربصالي، إلى سقوط مئات الشهداء من الجيش والمقاومة في حرب تموز 2006، وصولًا إلى واقعة شجرة العديسة في 3 آب/أغسطس 2010، وتصدي الجيش اللبناني لتوغل قوات العدوّ داخل خراج البلدة، ما أفضى لاستشهاد عسكريين وصحافي، وصولًا إلى عام 2017، يوم نجح الجيش اللبناني في طرد مقاتلي "جبهة النصرة" من الجرود في السلسلة الشرقية، بينما كانت المقاومة تسانده من الجهة السورية. وختامًا بالحرب الأخيرة ضدّ لبنان وسقوط 40 شهيدًا من الجيش اللبناني، بينهم أسماء حفرت في الوجدان اللبناني بمواقف بطولية سطرتها سابقًا بمواجهة الاحتلال، كالشهيد الضابط محمد فرحات الذي ارتقى في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مع زميلين له جراء قصف استهدفهم أثناء قيامهم بإسعاف مصابين في بلدة ياطر.

عند كلّ محطة من تلك المحطات تكرست معادلة "جيش شعب ومقاومة" بالانتماء والدم والهوية. عام 2018 تحديدًا، أطلق الأمين العام السابق لحزب الله، الشهيد السيد حسن نصر الله، على هذه الصيغة تسمية "المعادلة الذهبية". وفي خطاب له بمناسبة يوم الشهيد، وضع السيد نصر الله المعادلة الذهبية إلى جانب القوّة الصاروخية للمقاومة، باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين في صناعة توازن الردع الذي حمى لبنان. ثمّ عاد ليؤكد على المعنى ذاته في أكثر من مناسبة.

واليوم بعد كلّ هذا التاريخ النضالي المشرف للجيش والمقاومة كتفًا إلى كتف، يأتي قرار حكومة نواف سلام بظلّ  مواصلة "إسرائيل" عدوانها، ورفضها الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبناني. بل وبظلّ  الكلام المعلن عن نواياها للتوسع والتمدد، بقضم جنوب الليطاني، وصولًا إلى نهر الأولي. والسؤال الأهم: من سيتصدّى للأطماع "الإسرائيلية" بحال جرد لبنان من معادلة القوّة؟ الحكومة التي تمنع إعادة الإعمار، فتسطر المحاضر بأسماء من أخذوا على عاتقهم إعمار بيوتهم في الجنوب، وتحاول عرقلته من خلال محاصرة مصادر تمويل المقاومة، ومنع التعويضات، أم الحكومة ذاتها التي لا تعرف شيئًا عن أسراها في سجون العدو، لا أعدادهم ولا أسماءهم، باعتراف رئيسها؟!.

في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان أكثر من أي وقت مضى إلى مراكمة أوراق القوّة ماذا فعلت حكومة نواف سلام؟ ذهبت نحو التفريط بكلّ ما تبقى للبلد من عناصر القوّة. وما عجزت عن تحقيقه "إسرائيل" في حروبها على صعيد تجريد لبنان من قوته، سيمكنها منه قرار الحكومة. وضع نواف سلام ومن معه الجيش مقابل المقاومة، والمقاومة هي مجتمع كامل، بأبنائه ورجالاته شهداء أو مشاريع استهداف يومية، وبنسوته يرفعن صور شهدائهن إلى الضوء يوميًا، لأن في الصور اختصارًا لوطن واضح الهوية، ولأن الصورة المرفوعة هي موقف بحد ذاته لا يقبل المساومة، موقف يقول إن التفريط بدماء أصحابها يوازي عملية سفك دمهم.

قفزت السلطة ممثلة بالحكومة والرئاسة فوق كلّ هذا، وعندما أصدرت القرار السياسي ليتحرك الجيش، لم تكن الوجهة ضدّ العدوّ ولصد اعتداءاته، بل في وجه المقاومة التي ذاب لحم شبابها على تراب قرى الحافة الأمامية، خلال 66 يومًا شكلوا فيها السور الذي حمى البلد كله من الاجتياح، وبوجه الشعب الذي خرج منه الجيش، يقابل المناطق والعائلات التي خرج منها أبناؤه. لقد قررت الحكومة بعد التفريط بنا كمواطنين أن تُفرط بكلّ شيء، والـ "كل شيء" هذا يمثله الجيش كمؤسسة عسكرية خارج النزاعات السياسية، وكصورة وطن واحد موحد.

فور صدور قرار الحكومة اللبنانية، خرج المحلل الصهيوني للشؤون العربية في القناة ١٤ عمري نيف، معلقًا: "ما يحصل في لبنان من خطط الحكومة لتجريد حزب الله من سلاحه هو حدث تاريخي، وإذا كان هناك لحظة في التاريخ والتوقيت لسحب السلاح من حزب الله بشكل نهائي هي هذه اللحظة".
بدا كلامه متطابقًا مع مفردات بعض من في الداخل، ولكن تعبير "حدث تاريخي" كان يُقاس بمعايير العدوّ وموازين مصالحه وحده. "التاريخي" هذا قدمته حكومة نواف سلام لـ "إسرائيل"!

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد