حسين كوراني
منذ أن تأسس الجيش اللبناني في الأول من آب عام 1945، بنى عقيدته القتالية على أن "إسرائيل" هي العدو الأول والأخير، شأنه في ذلك شأن كافة جيوش الدول العربية. بالمقابل، بنى العدو عقيدته القتالية على الاحتلال والتوسّع وسفك دم الأبرياء، ما اقنع الشعوب العربية بقتاله، خاصة بعد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في القرى والمدن الفلسطينية التي لم تميّز بين طفلة وامرأة.
الصورة التي زرعتها "إسرائيل" في ذهن الفلسطينيين وشعوب المنطقة على أنّها "دولة مجنونة"، بفعل الأفعال الإجرامية لعصابات "الهاغاناه" و"الأرغون" التي عبثت في القرى والمدن الفلسطينية من اعدامات جماعية وحرق للممتلكات، أدى الى تكوين عقيدة لدى جيوش وشعوب منطقتنا، أن "إسرائيل" كيان سفّاح يجب قتاله، وهي أشبه بـ"كلب مسعور، ينهش ويقتل، سريع الانفعال والغضب" كما وصفها وزير حربها الأسبق موشي دايان.
من أجل ذلك، أصبح العداء لـ"إسرائيل" هو العقيدة التي وحّدت الجيش اللبناني في قتالها، وكي يبقى موحدًا عمل منذ ولادته على بناء عقيدة موحدة وموجّهة الى عدو خارجي، إذ لم يتوانَ يومًا عن خوض اعتى المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، مقدمًا تضحيات جسام من آلاف الشهداء والجرحى دفاعًا عن شرف لبنان وأرضه ووفاء لأهله.
كثيرة هي المعارك التي اشتبك فيها ضباط وعناصر الجيش اللبناني مع العدو، لكن ابرز محطاتها التاريخية كانت ما بين 15 أيار و6 حزيران 1948 عندما أقدمت القوات الإسرائيلية على احتلال بلدة المالكية شمال فلسطين، فتمكن الجيش من تحريرها وتسليمها إلى جيش الإنقاذ العربي المشكّل في حينه. وقد استشهد آمر الوحدة اللبنانية المهاجمة النقيب محمد زغيب إلى جانب 8 عسكريين، فيما تكبد العدو خسائر فادحة، وأظهر العسكريون اللبنانيون شجاعة فائقة في القتال على الرغم من عدم التكافؤ في موازين القوى.
ومن اجتياحات منطقة العرقوب ومرجعيون وبنت جبيل أعوام 1970 و1971 و1972، والتصدي البطولي للجيش اللبناني الذي أسفر عن استشهاد 19 من جنوده وإصابة نحو خمسين آخرين، الى اعتى معركة بطولية خاضها الجيش لا تقل أهمية عن مثيلتها في المالكية مع قوات العدو في 16 أيلول 1972 في الجنوب، عندما حاول رتل من الدبابات الإسرائيلية التقدم عبر طريق بلدتي صديقين ـ قانا للدخول إلى المخيّمات الفلسطينية في منطقة صور (الرشيدية، البص، برج الشمالي)، فتصّدت له دبابة للجيش كانت بإمرة الرقيب أول إسماعيل أحمد، دمرت سبع دبابات للقوات الغازية، وفي السياق يقول قائد الكتيبة اللبنانية التي اشتبكت مع العدو المقدم جوزف روكز: "جنودنا أظهروا شجاعة فريدة واندفاعًا لا مثيل له في معركة ما كنا لنربحها لولا إيماننا القوي بوطننا وتمسكنا بأرضنا، علماً أن حصيلة المعركة في ذلك اليوم كانت تدمير سبع دبابات للعدو الإسرائيلي الى سبعة عشر آلية عسكرية من أنواع مختلفة، في حين بلغ عدد القتلى والجرحى لديهم حوالى الثلاثين. أما خسائرنا فبلغت ثلاث دبابات تمت إصابتها بصواريخ المروحيات".
وهناك الكثير من المحطات البطولية المشرّفة التي سطرها الجيش اللبناني في مواجهاته مع العدو خلال العقود الماضية، ففي عدوان تموز 2006 قدّم الجيش عشرات الشهداء والجرحى مساندًا المقاومة، وختامًا بالحرب الأخيرة على لبنان وسقوط 40 شهيدًا منه، بينهم أسماء حفرت في الوجدان اللبناني بمواقف بطولية سطرتها سابقًا بمواجهة الاحتلال، كالشهيد الرائد محمد فرحات الذي ارتقى في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مع الجنديين محمد بزال وموسى مهنا جراء استهدافهم بمسيرة أثناء قيامهم بإسعاف 3 شبان مصابين في ساحة بلدة ياطر.
هذه المؤسسة العسكرية التي توحدّت على العداء للعدو وكانت في كثير من الأحيان سندًا للمقاومة والشعب في تحرير أرض الوطن سواء في الجنوب أو في الجرود، من الصّعب على ضباطها وجنودها أن يتخلوا عن عقيدتهم التي تربوا عليها في أن "إسرائيل" هي العدو الذي لا يُؤمن له ويجب قتالها، أو أن تدار أفواه بنادقهم ومدافعهم الى غير عدو الوطن.
بالمحصلة، اذا تخاذلت السلطة في الدفاع عن الوطن ومَنعت جيشها من الدفاع، فعندها كما قال الإمام السيد موسى الصدر "إن الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".