حسين كوراني/ موقع أوراق
شكّل العدوان "الإسرائيلي" الذي استهدف مقرّات سكنية تابعة للوفد المفاوض من حركة حماس، في الدوحة عاصمة قطر، صدمة للمراقبين والمحللين جميعهم المهتمين بالشأن الدولي. والعديد منهم أن هذا الاستهداف يعدّ الأول من نوعه، في العالم، لـ"دولة"- يقصدون "إسرائيل"- ضدّ دولة أخرى أو ضدّ منظمة وهما يتفاوضان. العدوان تجاوز كلّ الأعراف والمواثيق الدولية والقوانين الإنسانية، وأدى إلى صدمة واستنكار في الأوساط الدولية.
العدوان "الإسرائيلي" على قطر ليس حدثًا عابرًا بالنسبة إلى العالمين العربي والإسلامي، بل له دلالاته المستقبلية الخطيرة، خاصة أن قطر تقف على الحياد وليست طرفًا في الحرب التي تشنها "إسرائيل" على غزّة. هي من تستضيف طرفي التفاوض، حماس والكيان الصهيوني، وتسعى جاهدة إلى وقف إطلاق النار وإنجاز عملية تبادل الأسرى بينهما؛ على الأقل بحسب ما تدعيه.
أما "إسرائيل"؛ فليست المرة الأولى التي تنفذ عمليات اغتيال ضدّ قيادات حماس خارج فلسطين المحتلة، فهي سبق واغتالت: القيادي محمود المبحوح في دولة الإمارات وعز الدين الشيخ خليل في سورية ومحمد زواري في تونس وصالح العاروري في لبنان والمهندس محمد البطش في ماليزيا وإسماعيل هنية في إيران.. كما حاولت اغتيال خالد مشعل في الأردن، وهذا يعني أن الإجرام "الإسرائيلي" عابر للحدود.
لكن هذه المرة؛ جاءت عملية الاغتيال على أرض التفاوض بشأن إطلاق الأسرى، ما يؤكد سعي العدوّ الصهيوني لقتل أسراه لسحب هذه الورقة من حماس والانتهاء من احتجاجات أهاليهم في شوارع "تل أبيب"، والتفرغ لحرب الإبادة والتهجير في غزّة، والتي أعلن عنها رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو مرارًا.
الرسالة الأبرز التي وجهها كيان العدوّ من هذا العدوان البربري، هو أنه لم يعد في منطقة غرب آسياا(لشرق الأوسط) كلها أي مكان آمن، وأن العدو لم يعد يقيم وزنًا لسيادة أي أرض عربية. وهذا ما ترجمه، خلال اليومين الماضيين، باستمرار اعتداءاته على لبنان وسورية وتونس وقطر، وقبل ذلك اليمن والعراق وإيران.. كما أن المذبحة في قطاع غزّة ما تزال مستمرة وسط تخاذل وصمت العرب، وإن نطقوا اكتفوا بالتعبير عن القلق والإدانة والاستنكار في بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، وبالطبع وحدها اليمن التي خرجت عن طور الأعراب، وصواريخها ما تزال تزلزل "إسرائيل" نصرة لأهل غزّة.
إذًا ما حصل مع قطر، من انتهاك لحدودها وسيادتها وأمنها الوطني، سوف يحصل غدًا لغيرها من الدول العربية وغير العربية. وعلى الرغم من كلّ ما قدّمته وتقدّمه دول الخليج العربي للرئيس الأميركي دونالد لترامب من أطر مفتوحة في المجالات كافة، إلا أن تعامل واشنطن وتل أبيب مع الدول العربية والإسلامية يترجم التعنّت والغلو في فرض تنفيذ أهدافهما للهيمنة حتّى لو كان الطرف العربي مسلّمًا ومتعاونًا ومنخرطًا في مشروع "السلام الإبراهيمي" والتطبيع. وذلك نابع من ذهنية التسلّط التي تشكّل قاعدة حاكمة في السياسة الأميركية و"الإسرائيلية"، والتي تكرّس سياسة الإخضاع القهري بالقوّة.
كما أن الحدث لا ينفك عن إرساء معادلة جديدة، في مساره نحو تحقيق "إسرائيل الكبرى"، والتي تكرّس إطلاق يد نتنياهو في استهداف أي مكان في المنطقة من دون الأخذ بالحسبان طبيعة الدول، سواء إن كانت حليفة أم عدوّة في التصنيف الأميركي والإٍسرائيلي. وهذا يعني أنه لم يعد أحد آمنًا أو بعيدًا عن الاستهداف المباشر، وأن "إسرائيل" بدأت فعليًا بممارسة سيطرتها وهيمنتها بالقوّة خارج جغرافيا الصراع التقليدية.
أما في الشكل، فهناك تأكيد على أن التسويات السياسية لا يمكن أن تمرّ بسهولة، وأن موازين القوى على الأرض يجب أن تبقى بيد "إسرائيل".
أما في المضمون، فقد ضربت "إسرائيل"- كعادتها- القوانين والمواثيق الدولية بعرض الحائط، وأكدت المؤكد "لن نسمح لغزّة ان تعيش"، ولن نسمح لأحد أن يعمل على مساعدتها أو مساندتها.
في المحصلة، قيادة حماس نجت والمقاومة مستمرة، ونتنياهو ماض في المهمّة التي يسميها "تاريخية" نحو تحقيق "إسرائيل الكبرى" التي تضم أراضي عربية في دول عدة. وعلى العرب إدراك هذا الخطر الذي يمتد، بشكل سريع، والمبادرة إلى وقف الإدانات والتوجّه نحو قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني واتّخاذ الإجراءات الردعية، والمواقف الحاسمة أزاء حرب الإبادة على قطاع غزّة.