أوراق سياسية

غارات نتنياهو على قطر.. من “تغيير الشرق الأوسط” إلى "تغيير الخليج العربي"

post-img

وسام مصطفى (سفير الشمال)
  
لا أحد آمنًا في المنطقة، هذه هي الرسالة التي تبعثها "إسرائيل"..

هكذا اختصر المتحدّث باسم الخارجية القطرية تعليقه على العدوان "الإسرائيلي"  الذي استهدف مقرّات سكنية تابعة لقيادات الصف الأول في حركة حماس في الدوحة، أما رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني فقد كان مباشرًا وحادًا في موقفه الذي وصف رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو بأنه “غادر ومارق ويمارس إرهاب الدولة”، وقال: “وصلنا إلى لحظة مفصلية بوجوب وجود رد موحّد على همجية نتنياهو.. نتنياهو يقود المنطقة إلى مستوى لا يمكن إصلاحه”.

في المقابل تنصّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من المسؤولية بادّعائه أن “هذا القرار اتّخذه نتنياهو ولم يكن قرارًا مني”، لا بل ذهب إلى ما يشبه استنكارًا لـ “القصف الأحادي داخل قطر” بما “لا يخدم أهداف "إسرائيل" أو أميركا”. وفي ما نقلت صحيفة “معاريف” عن مسؤول أمني "إسرائيلي" قوله إن “ترامب طالب نتنياهو بأن يتحمل المسؤولية منفردًا عن العملية خوفًا على سمعة الولايات المتحدة الدولية”، ذهب نتنياهو وصقوره إلى الأمام بالتهديد بأن قادة حماس لن يكونوا بمأمن في أي مكان، وفي هذا السياق نُقل عن مسؤول أمني "إسرائيلي" رفيع، قوله إن “عملية “قمة النار” تمثل خطوة مهمّة نحو الانتصار على الحركة، وإنزال العقاب بالمسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر، وتعزيز قوة الردع ال"إسرائيلي".. وقد تُحدث تغييرًا في مسار الأحداث بما قد يفضي إلى إنهاء الحرب في غزّة وفق الشروط التي وضعتها "إسرائيل".. وهي رسالة لسكان غزّة بأن الوقت قد حان للتمرّد على حماس التي أُضعفت، والعمل من أجل إنهاء الحرب”.

لن نستغرق في استعراض الإدانات العربية والدولية للجرائم التي يرتكبها نتنياهو، وهي سياق مستمر على مدار الساعة في فلسطين ولبنان وسورية، ولكن الأمور أخذت منعطفًا خطيرًا فقط حين تجاوز العدوان نطاق دائرة القتل ليصل إلى عمق الإمارة القطرية، مع العلم بأنها مصنّفة أميركيًا وإسرائيليًا دولة حليفة وصديقة ولا تقف في خط المواجهة مع “إٍسرائيل” وتلعب دور الوساطة بين حماس وحكومة العدو، وأسهم الفشل "الإسرائيلي"  في اغتيال قادة حماس في ارتفاع مستوى الإدانة، فلو نجح نتنياهو في قتل الرؤوس الكبيرة لكان الملف قد أُغلق ليفتح على ترتيبات جديدة في الأفق الأميركي - العربي - "الإسرائيلي"  للمنطقة، أما وأن العملية قد فشلت فسيترتب على ذلك إجراءات مختلفة تفرض على العرب اتّخاذ موقف صارم من ارتكابات نتنياهو المتمادية.

كان لافتًا التركيز على تباين التصريحات حول توقيت إبلاغ تل أبيب لواشنطن بالهجوم وإبلاغ الأخيرة للدوحة، وما قيل عن إطفاء الرادارات المنتشرة في منطقة الخليج ما سهّل لسلاح الجو تنفيذ العدوان، فضلًا عن المشاركة البريطانية في تزويد طائرات العدوّ بالوقود جوًا، وكأن المسألة متعلّقة بقضية أذونات بينما يجب أن يرتكز محور القضية على دراسة مخاطر كسر نتنياهو نطاق جموحه العدواني والذي في حال السكوت عنه، سيطال دولًا أخرى بذريعة استهداف كوادر المقاومة الفلسطينية، ولهذا من المرجح في الآتي من الأيام أن يضرب إرهابه مناطق في تركيا التي تستضيف أيضًا مسؤولين من حركة حماس.

لا يبدو أن نتنياهو كما ترامب يتّجهان إلى التوقّف عند انتهاك سيادة الدولة القطرية، بل إن تصريح الأخير على منصته “تروث” يشير إلى المضي في اعتماد الاغتيالات كأسلوب يفتح على سقف مرتفع آخر في سياق التغوّل الأميركي - "الإسرائيلي"  تحت عنوان “تغيير الشرق الأوسط” ليصل إلى مرحلة “تغيير منطقة الخليج” خدمةً لمشروع “إسرائيل الكبرى”، وهذا ما يفترض دمج الإمارات الصغيرة (قطر، البحرين، الكويت) بالمملكات والدول الكبيرة، وإعادة رسم المنطقة العربية تماشيًا مع ما أعلنه المندوب الترامبي توم برّاك الذي صرّح جهارة بأن “حدود سايكس - بيكو لم تعد فعّالة” في ظل التحولّ الجيوستراتيجي في المنطقة بعد حرب أيلول 2024.

قال ترامب بكلّ وضوح: “أريد إطلاق سراح جميع الرهائن وجثث القتلى، وأن تنتهي هذه الحرب الآن! كما تحدثت مع نتنياهو بعد الهجوم، وأخبرني أنه يريد إحلال السلام. أعتقد أن هذا الحادث المؤسف قد يشكّل فرصة لتحقيق السلام.. تحدثت مع أمير ووزير دولة قطر، وشكرتهم على دعمهم وصداقتهم لبلادنا، وأكدت لهم أن مثل هذا الأمر لن يحدث مرة أخرى على أراضيهم. لقد وجهت وزير الخارجية ماركو روبيو لإنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي مع قطر”..

لا تفيد قراءة هذا الكلام إلا ازدراء للدول العربية ومواقفها، في مقابل إصرار على الدعم المطلق لنتنياهو وتصريح مطلق له للتمادي في انتهاك سيادتها، فـ”لا توجد دولة مثل "إسرائيل" تمثل المصالح الأميركية في الشرق الأوسط ومن مصلحة واشنطن الحفاظ على علاقاتنا” وفق تعبير بني غانتس الرئيس السابق لأركان جيش العدو.

نعود لنؤكد أن ما حصل بالأمس لقطر من انتهاك لحدودها وسيادتها وأمنها الوطني سوف يحصل غدًا لغيرها من الدول العربية وغير العربية، فقد سبق أن استهدف العدوّ قيادات وكوادر حماس في لبنان كما اغتال رأس قيادتها إسماعيل هنية في طهران؛ وعلى الرغم من كلّ ما قدّمته وتقدّمه دول الخليج لترامب من أطر مفتوحة في المجالات التجارية والأمنية والعسكرية بما يعود بالمصلحة على الاقتصاد الأميركي نفسه، وعلى الرغم من أنسياق غالبية الدول العربية في مشروع “السلام الإبراهيمي” التطبيعي الذي ابتدعه ترامب خدمة لمشروع الهيمنة والتوسع "الإسرائيلي"  في المنطقة، إلا أن تعامل واشنطن وتل أبيب مع الكيانات العربية والإسلامية يترجم التعنّت والغلو في فرض تنفيذ الأهداف حتّى لو كان الطرف العربي مسلّمًا ومتعاونًا، وذلك نابع من ذهنية التسلّط التي تشكّل قاعدة حاكمة في السياسة الأميركية و"الإسرائيلية" والتي تكرّس سياسة الإخضاع القهري بالقوّة.

إن قراءة سريعة للحدث الخطير في العدوان على الدوحة تفيد أن نتنياهو يسعى إلى إرساء معادلة جديدة في مساره نحو تحقيق “إسرائيل الكبرى” تكرّس إطلاق يده في استهداف أي مكان في المنطقة دون الأخذ بالحسبان طبيعة الدول حليفة كانت أم صديقة أم عدوّة في التصنيف الأميركي والإٍسرائيلي، وهذا يعني أنه لم يعد أحد آمنًا أو بعيدًا عن الاستهداف المباشر، وأن “إسرائيل” بدأت فعليًا بممارسة سيطرتها وهيمنتها بالقوّة خارج جغرافيا الصراع التقليدية، وهذا ما يفترض التوقف عنده لاستشراف المستقبل الذي ينتظر العرب في حال نجح ترامب في فرض مشروع التطبيع على دول المنطقة، وبما أن الردّ العربي الحازم على العدوان مستبعد قولًا وفعلًا - وهذا ما يراهن عليه نتنياهو - فعلى العرب أن يجهزّوا أنفسهم للدخول في عصر الذمّة الأميركي - ال"إسرائيلي".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد