احمد الشهال (التحري نيوز)
في مشهدٍ هو الأكثر فظاظةً وإهانةً للكرامة العربية، مد الكيان الصهيوني مخالبه القذرة إلى قلب العاصمة القطرية الدوحة، في محاولة اجرامية فاشلة استهدفت قادة من المقاومة الفلسطينية. لم تكن المحاولة مجرد مغامرة استخباراتية عابرة، بل محطة جديدة في مسلسل هابط تتكشف فصوله: حيث تتحول الدوحة من منصة تفاوض إلى مسرح مكشوف لتصفية حسابات العدو، وسط صمت النظام القطري وعجزه الفاضح.
العدو في مأزق استراتيجي فشل الكيان الصهيوني في غزة بات صارخًا. شهور من المجازر لم تنتج سوى صلابة أكبر عند المقاومين. ما سُمّي بـ”عملية جدعون” تحوّل إلى مستنقع يستنزف جنرالات الاحتلال.
أمام هذا العجز، اندفع العدو إلى أسلوبه التقليدي: الاغتيالات اليائسة، ظنًّا منه أنّها تعوّض عن الهزيمة الميدانية. الترسانة القطرية: درع من ورق تُعَدّ قطر من أكثر الدول الخليجية إنفاقًا على التسلّح، حيث تمتلك منظومات دفاع جوي متطورة في مقدّمها باتريوت PAC-3 الأميركي، وNASAMS-2 النرويجي، وRapier البريطاني، وRoland الفرنسي–الألماني، إلى جانب شبكة رادارات حديثة أبرزها AN/FPS-132 Block-5 الأميركي للإنذار المبكر، الذي يُصنَّف من الأحدث في المنطقة. أما سلاح الجو القطري فيضم تشكيلات من أحدث المقاتلات الغربية مثل رافال الفرنسية، ويوروفايتر تايفون الأوروبية، وF-15QA الأميركية، إضافة إلى مقاتلات ميراج 2000.
وهي ترسانة نوعية تكفي نظريًا لتأمين حماية كاملة لمساحة قطر الصغيرة ومراكزها الحيوية. لكن، ورغم هذه الترسانة المتقدمة، وقفت كل هذه المنظومات عاجزة أمام الغارة الإسرائيلية. لم تُسجَّل إنذارات مبكرة، ولا محاولات اعتراض جدّية. وهو ما يفتح الباب أمام احتمالين لا ثالث لهما: إمّا قصور فادح في الجاهزية والقدرة العملياتية، وإمّا تواطؤ مسبق سمح بمرور الطائرات المعادية.
وفي الحالتين، تتحوّل الترسانة الباهظة إلى “درع من ورق” يكشف العجز السياسي قبل العسكري. الدوحة: وساطة أم تواطؤ؟ السؤال الجوهري: كيف عبرت طائرات العدو الأجواء القطرية وسط هذه الشبكة الدفاعية المتطورة؟ وأين السيادة التي يتغنّى بها النظام؟ إن احتضان قطر لقيادات المقاومة ثم تركها مكشوفة أمام الاستهداف ليس سوى ازدواجية وتواطؤ يُضاف إلى سجل الأنظمة التابعة للهيمنة الأميركية–الصهيونية.
الدلالات والرسائل هذه العملية تحمل رسائل خطيرة: للأنظمة العربية: لا حصانة لأحد في المنظور الصهيوني. من يطرق باب التطبيع يتحوّل إلى ورقة مستهلكة. للمقاومة: العدو لا يعرف سوى لغة الدم، وأوهام الوسطيات ليست إلا كمائن سياسية. للشعوب العربية: مسرحيات “الوساطة” و”الحياد” ليست سوى غطاء للتطبيع، والأنظمة التي تغضّ الطرف عن دماء الفلسطينيين شريكة في الجريمة.
لا خلاص إلا بالمقاومة الدوحة، وغيرها من العواصم المهرولة نحو التطبيع، لن تكون مظلة آمنة للمقاومين. محاولة الاغتيال الفاشلة في قطر كشفت تخبّط الكيان الصهيوني، لكنها عرّت أيضًا ضعف المنظومات العربية التابعة. الحقيقة أبسط وأوضح: لا تحرير يُنتزع بالمساومات، ولا سيادة تُصان بالوساطات. وحدها المقاومة، وإرادة الشعوب الحرة، هي طريق الكرامة والتحرير.