راجانا حمية (جريدة الأخبار)
بعد أربع سنوات على صدوره، أقرّ مجلس الوزراء المراسيم التنظيمية لقانون «تنظيم مزاولة مهنة التمريض في لبنان» (221/2021)، الذي يعيد توزيع فئات الممرّضين استناداً إلى التعديلات التي طرأت على المهنة ومناهج التعليم المرتبطة بها. وقد أتى القانون الحالي ليغيّر مفاهيم عدّة، أبرزها ما يتعلّق بـ«رُتَب» الممرّضين، إذ أضاف فئة جديدة للممرّضين الحاصلين على شهادة ماجستير في العلوم التمريضية.
وبذلك، أصبحت هناك أربع فئات للممرّضين: الممرّض المتخصّص (الفئة الجديدة التي تشترط الماجستير وإذن مزاولة من وزارة الصحة)، الممرّض، الممرّض الفني ومساعد الممرّض. ولكل من هذه الفئات مجموعة شروط تحدّد المؤهّل لنيلها، أي الشهادات والخبرة التي يفترض ألّا تقلّ عن ثلاث سنوات، كما نطاق ممارسة العمل.
ومع صدور المراسيم التطبيقية، أصبح بإمكان الحاصلين على شهادات عليا، تعديل «مراكزهم» عبر إعادة تقديم ملفاتهم أمام اللجنة المتخصّصة للحصول على إذن مزاولة المهنة بالصفة الجديدة من وزارة الصحة. وبينما أعاد القانون الجديد الاعتبار للممرّضين ورفع الغبن عن الحاصلين على شهادات عليا، فإنه لم يسلب أي حق ممّن حصلوا مسبقاً على إذن مزاولة، بل اقتصر دوره على تنظيم المهنة وإعادة تصنيف فئاتها.
كما أُلحقت بالمراسيم التنظيمية للقانون 221، المراسيم التنظيمية الخاصة بدليل الكفاءات والمهارات المطلوبة لمزاولة المهنة، والذي يحدّد، بعد الحصول على إذن مزاولة المهنة من وزارة الصحة، صلاحيات كل فئة من الممرّضين استناداً إلى المهارات التي تتمتّع بها وتميّزها عن غيرها.
توقيت صائب
جاءت هذه المراسيم «في وقتها»، في ظلّ الفوضى التي يعاني منها قطاع التمريض، حيث تتزايد الشكاوى من المتطفّلين على المهنة الذين استغلّوا الفراغ الناتج عن هجرة الممرّضين المتخصّصين وذوي الكفاءة بسبب الأزمة المالية. أضفْ إلى ذلك، ما تسبّبت به بعض المؤسّسات الصحّية، التي أتت بموظفين خلافاً للقانون، للاستفادة منهم بأقلّ التكاليف الممكنة.
ولا شكّ في أنّ الهجرات المتتالية للممرّضين الكفوئين وذوي الخبرة أسهمت في هذه الفوضى، إذ يقدّر عدد المغادرين منذ 2019 بما لا يقلّ عن ثلاثة آلاف ممرّض. ورغم عودة بعضهم، إلا أنّ النقابة لا تستطيع تحديد عددهم بدقّة، باعتبار أنّ العائدين «لم يعودوا إلى النقابة»، بحسب النقيبة عبير علامة، علماً أنّ التقديرات لا تشير إلى عودة مشجّعة.
ويُظهر آخر إحصاء للنقابة عام 2023 ارتفاعاً متزايداً في أعداد المهاجرين، علماً أنه لا يشمل الذين غادروا من دون الحصول على إفادة من النقابة. فبين 2020 و2023، ارتفع عدد المغادرين من 685 إلى 856 ممرّضاً. ورغم أنّ هذه الأرقام لا تزال «مقبولة نسبياً»، إلّا أنّ خطورتها تكمن في أنّ معظم المغادرين هم من ذوي الخبرة الطويلة، ما يترك فراغاً يصعب تعويضه. ويبرز هذا النقص في الأقسام التي تحتاج إلى خبرة عالية وتخصّص دقيق، مثل غرف العمليات «التي يتطلّب العمل فيها ستة أشهر على الأقلّ للتّأقلم»، وفق علامة، إضافة إلى أقسام الطوارئ والعنايات الفائقة والأطفال.
وفيما تسعى النقابة إلى التمسّك بمن تبقّى من أصحاب الكفاءات، عبر توفير بيئة عمل محفّزة تشمل الترقيات والتغطية الصحّية والإجازات، تتحرّك بالتوازي لسدّ النقص عبر استقطاب المتخرّجين الجدد. ولذلك، تعمل على مسارين: الأول رفع مستوى الخريجين، خصوصاً من تلقّوا تعليمهم في السنوات الأخيرة عبر «الأونلاين»، عبر مبادرات تدريبية مكثّفة وتطوير قدرات المدرّبين داخل المؤسّسات، لرفد الملتحقين الجدد بالدعم والخبرة.
والثاني يتمثّل بتحديث المناهج التربوية وتطويرها بما يتناسب مع الحاجات الفعلية، عبر تعاون وثيق مع وزارة التربية والتعليم العالي والمديرية العامة للتعليم المهني والجامعات والمعاهد وبالتنسيق مع النقابات المتخصّصة، لإعادة النظر في متطلّبات المهنة وضمان مخرجات مهيّئة أكثر لسوق العمل.