عمر نشابة (الأخبار)
بسذاجة مستغربة، سأل رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون أول من أمس: "هل تريدُ حكومةُ "إسرائيل" أيَّ سلامٍ دائمٍ عادلٍ في منطقتِنا؟". وبعد ساعات قليلة من انتهاء فخامته من الخطاب الذي تضمّن هذا السؤال أمام جامعة الدول العربية في العاصمة القطرية، وقبل عودته إلى مكتبه في قصر بعبدا، ردّت حكومة "إسرائيل" بقصف مبنى سكني في عروس الجنوب (النبطية)، أدّى في حصيلة نهائية إلى إصابة 12 مواطنًا بجروح، بينهم أربعة أطفال اثنان منهم في حال حرجة، وسبع نساء.
رئيس الجمهورية قال في الدوحة: "نحن هنا، باسمِ لبنان، كلِّ لبنان، لنتضامنَ فعلًا وعمقًا، مع أنفسِنا". لكنه، بعد عودته إلى بيروت، لم يكلّف نفسه التعبير عن تضامنه مع الأطفال اللبنانيين الجرحى وذويهم أو زيارتهم في المستشفيات التي يُعالجون فيها، ولم يكلّف نفسه - أو السيدة الأولى - الوقوف إلى جانب أمّهات أطفال لبنانيين بحالة صحية حرجة بعدما اعتدى عليهم العدوّ "الإسرائيلي" خارقًا، للمرة الـ4300 أو أكثر، "إعلان وقف الأعمال العدائية"، أو ما يُعرف بـ"اتفاق وقف إطلاق النار" (27 تشرين الثاني 2024).
أكثر من 1000 مواطن ومواطنة لبنانيين في الجنوب تعرّضوا للقتل ولمحاولة القتل على يد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" منذ موافقة لبنان على "وقف إطلاق النار" قبل 10 أشهر، استشهد من بينهم 223، وأُصيب 777 من بينهم 93 طفلًا.
هذا السيل من دماء اللبنانيين لم يكن كافيًا على ما يبدو لإقناع الرئيس جوزيف عون بأن "إسرائيل" لا تريد السلام، فكرّر في الدوحة التي كانت قد تعرّضت كذلك للعدوان الإسرائيلي: "هل تريدُ حكومةُ "إسرائيل" أيَّ سلامٍ دائمٍ عادلٍ في منطقتِنا؟". ثمّ بادر بعرض احتمال يعلم أي عاقل أنه ليس واردًا على الإطلاق، فقال: "إذا كان الجوابُ نعم، فنحن جاهزون وفقًا لمبادرة السلام العربية"!
لكن، أليس إصرار الكيان "الإسرائيلي" على مواصلة الإبادة الجماعية في غزّة وتوسيع نطاق جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبها، وكذلك قصف اليمن وإيران وسورية وقطر، كافيًا للإجابة عن سؤال فخامة الرئيس؟ أم أن المبعوثين الأميركيين نجحوا فعلًا في إقناعه بأن "إسرائيل" تريد السلام؟
على أيّ حال، عرض فخامته بعد ذلك "احتمال" الجواب "الإسرائيلي" السلبي، لكنّه لم يطرح أي اقتراح للردّ عليه بل قال: "ندرك عندها حقيقةَ الأمرِ الواقع، ونبني عليه المقتضى". ويُفهم من هذه الجملة أن الرئيس لا يدرك حتّى الآن "حقيقة الأمر الواقع". فهل يحتاج العدوّ ال"إسرائيلي"، بعد "وقف إطلاق النار" إلى قتل وجرح أكثر من 887 لبنانيًا وتوسيع الدمار في جنوب لبنان وتكرار قصف سورية واليمن وقطر وإيران ليدرك فخامة الرئيس "حقيقة الأمر الواقع"؟
وماذا يمكن أن يعني الرئيس بقوله: "نبني عليه المقتضى"؟ هل سيعلن التعبئة العامة للدفاع عن اللبنانيين في جنوب لبنان وتحرير الأجزاء المحتلّة منه؟ هل يمكن أن يطلب ويصرّ على تزويد الجيش اللبناني بالصواريخ والدفاعات الجوية المتطوّرة؟ هل يمكن أن يتراجع عن السعي لتنفيذ المطالب الأميركية بنزع سلاح من يقاوم العدوان الإسرائيلي؟
رئيس الجمهورية اعتذر في خطابه من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ومن رؤساءِ الوفود، "عن عدمِ تكرارِ مفرداتِ الإدانة ولازماتِ التنديدِ والشجب، فهذه قد ملأت تاريخَنا وحاضرَنا، حتّى باتت تثيرُ السأَمَ في نفوسِ شعوبِنا، أو أكثرَ من السأم". لكنّ فخامته لم يذكر في خطابه أمام الزعماء العرب والعالم القرى والبلدات في الجنوب والبقاع التي قصفها ودمّرها العدوّ ال"إسرائيلي"، ولم يتناول المدنيين اللبنانيين الذين خطفهم العدوّ بعد "وقف إطلاق النار"، بل اكتفى بالإشارة السريعة إلى "استهداف الأبرياء في لبنان". ألا يثير ذلك السأم في نفوس عائلات آلاف اللبنانيين الذين قتلهم وخطفهم وعذّبهم العدوّ الإسرائيلي؟ أم أن سأم الجنوبيين لا يعني رئيس جمهوريتهم؟
اختار رئيس الجمهورية عدم تناول محاولات "إسرائيل" إشعال حرب أهلية في لبنان في خطابه، لكنّ أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني حذّر من ذلك خلال اجتماع القمة العربية. ألا يستدعي ذلك من الجميع في لبنان، وعلى رأسهم رئيسا الجمهورية والحكومة، بذل كلّ الجهود لتقريب اللبنانيين بعضهم من بعض وتجنّب الخلافات والتوقف عن التلميح والتهديد والتهويل بنزع سلاح مئات آلاف اللبنانيين الذين يتعرّضون لعدوان "إسرائيلي" يومي في الجنوب؟