اوراق مختارة

43 عامًا على عملية الـ «ويمبي»: قبضتنا بوصلة التاريخ

post-img

أحمد مفيد/ جريدة الأخبار

«قالوا: وتكون الحرب في لبنان خاطفة. أيام معدودات، ويركع من لم يركع بعد، ومن لا يفهم إلا لغة القهر. وقالوا: لا سلام سوى «شالوم». و«إسرائيل» روما العصر.

لملوك «إسرائيل»، لأسيادهم الإمبرياليين وأسياد حثالة أمتنا في أنظمة الزفت العربية، لصغار الفاشست نقول: يطيب لنا أن نبصق في أوجهكم.

تكاد لا يخلو شارع في بيروت من نصبٍ للذكرى، سواء أكان صورةً لشهيد، أم ملصقًا تذكاريًا، أم رسمًا على الجدران. وليست هذه المظاهر إضافة على وجه المدينة كما يراها البعض، بل هي ضرورة تاريخية جعلت من المدينة سجلًا حيًا يحمل ماضيها في كل ركن من أركانها.

عند المفترق الرئيسي في شارع الحمرا، تنتصب يافطة حديد تتوسطها ابتسامة خجولة لشابٍ جادّ الملامح، هو خالد علوان، التي كُتب تحتها: «ساحة الشهيد خالد علوان، بطل عملية الويمبي»، إلى جانب شعار «الحزب السوري القومي الاجتماعي» وأرزة لبنان.

تعتبر «عملية الويمبي» التي وقعت في 24 أيلول (سبتمبر) 1982 في شارع الحمرا في بيروت إحدى أبرز العمليات التي شكلت منعطفًا حاسمًا في مسيرة المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. بعد 43 عامًا على هذه العملية البطولية، لا تزال رمزيتها تتجدد في ظل التحديات الاستثنائية التي تواجهها حركات المقاومة في المنطقة اليوم.

في فترة ما بعد ظهيرة يوم 24 أيلول 1982، سار الشاب خالد علوان (19 عامًا) ورفيقه المجهول على طول رصيف مقهى «الويمبي» الشهير في شارع الحمرا. عند وصولهما إلى المقهى، شاهدا مجموعة من الجنود الإسرائيليين يجلسون على إحدى الطاولات، يحاولون تطبيع واقع الاحتلال ووجودهم في المدينة.

تقدم علوان وأطلق النار عليهم من مسدسه من مسافة صفر، ما أسفر عن مقتل ضابط إسرائيلي وإصابة جنديين آخرين. تذكر أن علوان قرر تنفيذ العملية بعدما سمع أحد الضباط الإسرائيليين يصر على دفع فاتورة المقهى بعملة «الشيكل» الإسرائيلية، فقرر علوان أن يدفع الفاتورة بطريقته الخاصة.

جاءت «عملية الويمبي» بعد أيام فقط على احتلال القوات الإسرائيلية لبيروت في أيلول 1982، في ذروة الغزو الإسرائيلي للبنان. كانت تتمركز في شوارع العاصمة، ووصل بها الأمر إلى الجلوس في مقاهي شارع الحمرا كما لو كانت في نزهة، في محاولة لإيصال رسالة بأن العاصمة العربية الثانية قد سقطت في يدها.

في هذا السياق، شكلت العملية صدمة لـ «الجيش» الإسرائيلي الذي كان يعتقد أنّه سيطر على المدينة بالكامل، وأنّه في استطاعته صهر وعي الناس بعد سلسلة المجازر المخيفة التي ارتكبها في حزيران (يونيو) 1982 حتى مجزرة صبرا وشاتيلا قبل أسبوع من «عملية الويمبي».

كانت العملية بمثابة إعلان عملي بأن المقاومة لن تتوقف، وأن شوارع بيروت لن تكون آمنة للاحتلال. كانت تجسيدًا لإرادة شعب رفض الانكسار وانطلاقًا لمقاومة حررت كامل التراب اللبناني عام 2000.

تمر ذكرى «عملية الويمبي» الـ43 هذا العام والمقاومة في مراحلها الصعبة بعد سنتين من الإبادة المستمرة لأهلنا في قطاع غزة والضربات القوية للمقاومة في الضفة الغربية، وما تتعرض له المقاومة اللبنانية من ضربات موجعة، وكذلك الحال في اليمن والعراق وإيران حيث العنف الصهيوني والأميركي الدائم والحصار.

لكن في الوقت نفسه، تشكّل الذكرى نقطة القوة في ذاكرة ووعي الشعوب، فحدث قبل 43 عامًا في إمكاننا تذكره بكل وضوح ورؤيته في قلب المدينة كأنه وقع بالأمس. هذا بكل بساطة لأنّ المقاومة فكرة عابرة للأجيال تشكل عمق وعي الشعوب والأفراد لذاتهم ولحياتهم.

منذ حركة الشهيد عز الدين القسام في العام 1935، ومحاولات تأسيس العمل المسلح بشكل منظم، يرى «المستسلمون» أنّ تخلّي المقاومة عن سلاحها هو ما يجنّبنا العنف.

لكن إذا نظرنا إلى جوهر فكرتهم، نجد أنها لا تقتصر على تدمير مقدرات المقاومة ومصادرة أسلحتها، بل تتعدى ذلك إلى نزع روح المقاومة وعمق الوعي الجماعي للشعوب، أو ما أطلق عليه الشهيد الأسير وليد دقة «صهر وعي الشعوب».

أما أكثر أفكارهم تسطيحًا، فهو فهمهم لسلاح المقاومة بمعزل عن أيديولوجيته وعقيدته، وعن الإرادة الكامنة وراء قتال المستعمر وتحرير القدس وفلسطين، التي تعد مهمة إنسانية ودينية ووطنية، وليست مهمة فلسطينية فحسب.

هذه الأفكار لها جذور ليبرالية، تنظر إلى السلاح على أنه ملكية فردية لفئة أو جماعة معينة، وليس تعبيرًا عن إنجاز تاريخي للشعوب، بني بدماء الشهداء وبأقصى درجات التضحية والحرمان.

اليوم، ونحن نواجه أبشع أشكال الإبادة الجماعية المنظمة ضد شعبنا في غزة واعتداءات صهيونية في مختلف أنحاء المنطقة، تذكرنا «عملية الويمبي» بأنّ وقف الإبادة والاعتداءات الصهيونية لن يتحقق بالاستسلام.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد