غسان ريفي (سفير الشمال)
فرضت الواقعية نفسها أمام صخرة الروشة في العاصمة بيروت، وكسرت كلّ التعاميم والشروط، وأكدت أن ثمة طائفة وجمهور وأحزاب وحلفاء وشرائح شعبية لبنانية يريدون التعبير عن عاطفتهم ومشاعرهم في إحياء ذكرى الشهيدين السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، على طريقتهم وفق تقاليد وعادات البيئة التي ينتمون إليها، وليس وفق بروتوكولات رسمية تهدف إلى التقليل من شأن المناسبة سواء بتحديد العدد (500 شخصا) أو المساحة المسموح بالتواجد فيها، وصولًا إلى منع عرض أي صورة على صخرة الروشة عبر تقنية اللايزر.
جاء الحشد الجماهيري الكبير الذي زنّر صخرة الروشة من البر والبحر بصور الشهيدين وبالأعلام اللبنانية والحزبية التي رُفعت في كلّ مكان وصولًا إلى سطح الصخرة عبر “متطوعين” بادروا إلى تسلقها، لتنسف كلّ الإجراءات المتّخذة، ما أضطر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي إلى التعاطي بكلّ واقعية وحكمة وحنكة مع هذا الحشد، والتعاون مع المنظمين لإنهاء هذه الفعالية من دون أي شائبة يمكن أن تعكر صفو الأمن الذي ظل مستتبا وممسوكا مع غضّ النظر عن إصرار الحشود على إضاءة صخرة الروشة بالصور، خصوصًا أنه لم يكن من المنطق أن يدخل الجيش والقوى الأمنية بين عشرات الآلاف من المواطنين المشدودين عاطفيا إلى الذكرى الأولى للاستشهاد، وأن يمنعوا بث صور الشهداء عبر اللايزر من دون تخريب الفعالية وتعريض سلامة المشاركين للخطر فضلًا عن إمكانية حصول مواجهات قد تتمدد وتتطور إلى ما لا يُحمد عقباه.
لا شك في أن ما جرى بثه على صخرة الروشة حمل أكثر من إشارة إيجابية، استهلالا بعرض صورة العلم اللبناني، ومن ثمّ الشهيدين نصر الله وصفي الدين، ومن ثمّ كانت مفاجأة عرض صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري يتوسطهما الشهيد نصر الله، وكذلك صورة الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والشهيد نصر الله خلال إحدى جلسات الحوار، وفي ذلك رسالة واضحة من المنظمين، أن الحشد الجماهيري وعرض الصور على صخرة الروشة لا يهدف إلى استفزاز أي جهة أو مكوّن وخصوصًا أبناء بيروت، وأن عرض صورة الرئيس رفيق الحريري تهدف إلى التأكيد على انفتاح حزب الله على المكون السني واحترام خصوصيته ورموزه السياسية وشهدائه، وتذكير بالعلاقات الودية التي كانت تربط الشهيد نصر الله بالشهيد الحريري، والسعي لأن تكون الذكرى الأولى لاستشهاد السيد نصر الله في العاصمة بيروت مناسبة وطنية جامعة تتضمن رسالة إيجابية إلى الرئيس سعد الحريري وجمهور تيار المستقبل، فضلًا عن التأكيد على حضور الرئيس نبيه بري كأخ أكبر للحزب والمقاومة.
ما شهدته فعالية صخرة الروشة، وعدم التزام المنظمين بمضمون التعميم الصادر عن محافظ بيروت، أثار غضب رئيس الحكومة نواف سلام الذي ترجم ذلك بحسب المعلومات، بإلغاء كلّ مواعيده في السراي الحكومي وبعدم الرد على اتصالات الوزراء، وذلك بما يشبه الاعتكاف، في حين أشارت معلومات أخرى إلى إمكانية تقديم استقالته يوم الاثنين المقبل لدى عودة رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون من نيويورك، وذلك احتجاجا على ما حصل، وهو اعتبر أن ما حصل هو سقطة ومخالفة صريحة، معلنا أنه اتصل بوزراء الداخلية والعدل والدفاع وطلب منهم اتّخاذ الإجراءات المناسبة بما فيه توقيف الفاعلين.
وقد جاء الرد سريعًا من عضو المجلس السياسي في حزب الله غالب أبو زينب فقال: دولة الرئيس بدأت السقطة عندما غادرت موقعك الرئاسي وارتضيت ارضاء بعض من يزين لك الباطل حقًّا للحصول على بطولات وهمية.. هؤلاء لبنانيون مارسوا حقهم الذى تسلطت عليه دون وجه حق، ونحن أحرار في وطن الحريات، والمراجعة فضيلة وطنية.
وترى مصادر مواكبة أن رئيس الحكومة لا يستطيع تحميل الجهة المنظمة مسؤولية ما حصل، خصوصًا أن الفعالية بكاملها كانت تحت حماية عناصر الجيش والقوى الأمنية والذين تعاطوا معها بكثير من الروية والهدوء حفاظًا على السلم الأهلي، وتؤكد هذه المصادر أن الرئيس سلام ونتيجة لعوامل عدة، بات يطلب الشيء ونقيضه حيث لا يمكن أن يرخص لتجمع من هذا النوع ولهذه المناسبة الأليمة لدى بيئة المقاومة، ثمّ يطلب التحكم بالعدد والمساحة والتصرفات، كما لا يمكن أن يمنع عرض صورة الشهيدين نصر الله وصفي الدين، ثمّ يروّج فيديو من صناعة الذكاء الاصطناعي يُظهره واقفا على صخرة الروشة ويعرض بعض صور شهداء 14 آذار، كما لا يمكن له أن يسعى إلى تجريد المقاومة من سلاحها، ويحول دون إعادة الإعمار، ويمنع بيئتها من إحياء ذكرى شهدائها.