اوراق خاصة

شهادة السيد المباركة بعد سنة ... لا غياب فهو الحاضر الدائم

post-img

إيهاب شوقي/ كاتب مصري

ممّا لا شك فيه أن الكتابة عن شخصية فريدة؛ مثل شخصية الشهيد الكبير السيد حسن نصر الله، تمثل تجربة صعبة لأطياف الكتّاب كلهم، فمحبوه مطالبون بالموضوعية وعدم تغليب لغة العشق الصادق في كتاباتهم، وخصومه مطالبون بالإنصاف. ومن يتعاطى معه، بشكل محايد، يجد صعوبة في مدخل لتحليل شخصيته بسبب ثرائها وتعدد جوانبها ومشاربها، وبسبب صعوبة الحياد ذاته أمام شخص فذّ وقيادة تاريخية، وصاحب مبدأ ومصداقية قلّ نظيرها.. وهذا ما يصعب معه أن تكون خارج الموقعين، إما محبّ وموالٍ ونصير، وإما خصم وحاقد وعدو.

لكنّ الأصعب هو الكتابة عن ذكرى قيادة بهذا الحضور الذي يصعب معه تصور الغياب، إذ تفقد الذكرى دلالتها اللفظية وتصبح عبثا، فلم ينساه أحد ولم يتعاطَ أنصاره ولا أعداؤه مع الوضع بعرف الغائب.

المحبون، وفي مقدمتهم قيادة حزب الله الممثلة بالشيخ نعيم قاسم، لم يغفل ذكره في كل كلمة من خطاباته. وأما الاعداء، وفي مقدمتهم أميركا والكيان الإسرائيلي، ما يزال اسم السيد نصرالله في خطاباتهم، وما يزال عنوان الوضع الاستراتيجي هو تصفية الحساب والخلاص من إرثه..!

أما المقاومة؛ فقد لخصت موقفها الروحي والسياسي والاستراتيجي بشعار صغير مختصر، ولكنه يشكّل استراتيجية شاملة، وهو "إنّا على العهد".

بعد سنة من غياب الجسد والإطلالة التي ينتظرها العدو قبل النصير، تظلّ المدرسة التي اتبعها الشهيد العظيم وطورها ووضعها في نصاب المدارس الاستراتيجية الكبرى هي التي تسود وتطل وتتفاوض وتصمد وتتعاطى بالحكمة والشجاعة مع المستجدات. وهذا ما يعني استمرارية سماحته وتحوله من دور القيادة التنفيذية إلى دور القيادة الملهمة والمرجعية.

مدرسة السيّد.. مدرسة المقاومة حسينية

كما لا تجد قيادات حزب الله ولا الشيخ نعيم قاسم، صعوبة أو معاناة في السير على خط الشهيد، فهم شركاء في رسم هذا الخط وشركاء في المرجعية وزملاء في الجهاد والنضال والبطولة. وهذا ما يعني أنهم شركاء في العهد، وأن ديمومة المدرسة المقاومة، بملامحها التي طورها الشهيد، هي أمر بديهي وتلقائي.

في تأمل هذه المدرسة وعوامل ديمومتها؛ ينبغي رصد جوهرها وأعمدتها والتوقف عند الشخصية التاريخية الفذة التي بلورتها في صورتها الراهنة.

جوهر المدرسة حسيني، مدرسة الفداء والصمود الحسيني ورفض الذلة، وهو ما يستحيل معه التخويف وليّ الذراع، فالنصر الاستراتيجي هو مصيرها مهما بلغت التضحيات. إذ إن انتصار الدم على السيف وإفشال أهداف العدو، والذي تتبلور قمة أهدافه الاستراتيجية في كسر إرادة المقاومة، وهو ما يستحيل مع مدرسة المقاومة الحسينية التي تشكّل جوهر المقاومة الإسلامية.

أعمدة هذه المدرسة تقوم بالأساس على الحق؛ وهو ما يعطي القوة والمشروعية والصبر على التضحيات، وهو محاكاة لقول "علي الأكبر" عندما سأل اباه الامام الحسين" "ألسنا على الحق؟...إذاً لا نبالي؛ أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا".

كما تقوم أعمدة هذه المدرسة على جمهور المقاومة واحترامه والتوعية والتبيين وليس على ثقافة القطيع والتضليل. ومن أهم الأعمدة يأتي امتلاك العلم والتطور ومواكبة العصر والاهتمام بالإعلام والمؤسسات، والأخذ بالأسباب العلمية والعملية للنجاح والنصر.

شخصية السيد الشهيد نصر الله الفذة كانت نموذجا للقائد الاستراتيجي الواعي بتشخيص المصلحة وتقدير الموقف، والوفي لأسلافه ورفاقه من القادة والأب الروحي والحقيقي، وللمرابطين على الجبهات وجماهير المقاومة.. فقد تميز بالوعي التاريخي والإيمان العميق والمصداقية التي جعلته يرسل ولده إلى عملية فدائية ويقدمه للشهادة بنفس مؤمنة راضية، والتي جعلته يرفض المساومة والإغراءات والتي كانت ستعطي له من متاع الدنيا ما يحلم به الرؤساء وعبيد الدنيا، ليظل محاصرا مستهدفا ومضحيا بمتع الدنيا ثمنا للجهاد والحفاظ على منظومة المقاومة وتطويرها، ونقلها من حركة مقاومة مسلحة الى قوة إقليمية تغير من معادلات المنطقة وتخلق توازنا مع الردع والرعب مع الكيان الصهيوني وراعيه الأمريكي.

هذا الإرث الذي استلمه الشهيد نصر الله من الشهيد عباس الموسوي وطوره مع رفاقه المجاهدين، أصبح عهدا بين المقاومة والجماهير الصابرة المؤمنة، وعهدا داخليا في منظومة المقاومة على مستوياتها التنظيمية المختلفة قادتها وكوادرها ومجاهديها.. فإن حزبا كحزب الله لا تجد فيه صراعات ولا انشقاقات، ولا تجد عليه تمردا جماهيريا، حيث العهد والميثاق يشكل حلقة حديدية  تضم الجميع وتخلق حالا من الالتفاف والصمود الأسطوري.

احتاج العدو إلى إلقاء نحو 85 قنبلة خارقة للتحصينات تزن الواحدة نحو طنا من المتفجرات، ولكنه لم ينجح في اختراق حصون المقاومة أو سلب وزن ذرة من الثبات والصمود للمقاومة، حزبا وجمهورا.. هناك كثير من القادة والزعماء التاريخيين الذين لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، بينما هناك قلة وندرة لوجود رموز ومرجعيات يتساوى وجودهم مع غيابهم الجسدي، حيث هم حاضرون بإلهامهم وقدوتهم، وتظل ذكراهم مجرد تأريخ لحدث وليس للتذكير، فلا تذكير بالحاضر.. فهم الحاضرون دومًا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد