غسان ريفي (سفير الشمال)
لم يكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ينهي كلامه من على منبر الأمم المتحدة والذي دعا فيه لبنان إلى “مفاوضات مباشرة مع إسرائيل”، مثنيا على ما “تقوم به الحكومة وعلى هدفها المعلن بنزع سلاح حزب الله”، معتبرا أنه “بعد قيامها بهذه الخطوة يصبح السلام مع بيروت ممكنا”، حتّى جاء الصدى من المبعوث الأميركي توم برّاك الذي بات يتحدث بلسان العدوّ الصهيوني ويمهد لتنفيذ مخطّطاته.
اعتبر باراك أن “المشكلة بين لبنان و"إسرائيل" تكمن في أنهما لا يتحاوران”، مهدّدا الشرق الأوسط بعملية ضم وفرز جديدة، مؤكدًا أنه “لا يعترف به منطقة سياسية شرعية”، واصفًا إياها “بمجموعة من القبائل والقرى التي جرى تقسيمها على أيدي بريطانيا وفرنسا”.
حاول باراك ضرب عصفورين بحجر لمصلحة "إسرائيل"، أولًا في الترويج للشرق الأوسط الجديد الذي يريده نتنياهو بدعم أميركي منطقة تضم دويلات طائفية مذهبية متناحرة لا سيادة لها ولا كرامة وطنية يكون "الإسرائيلي" فيها الشرطي الذي يستطيع أن يضرب في أي مكان من دون حسيب أو رقيب، وثانيًا في دعم توجه نتنياهو الذي يعتبر أنه في مهمّة ربانية وتاريخيّة من أجل تحقيق "إسرائيل" الكبرى التي تتضمن خارطتها الزرقاء أجزاءً عدة من أراضي الدول العربية.
كلام باراك ترك وراءه الكثير من التساؤلات لجهة: هل يحظى ما يقوله بغطاء من الإدارة الأميركية؟ أم أن باراك الذي يعترف بصهيونيته يقدم خدمات مدفوعة الأجر للكيان الغاصب، خصوصًا أنه ضليع في السمسرات وأخذ العمولات؟ أم أنه يريد إحراج الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتوريطه بمواقف ردا على إعادة تكليف مورغان أورتاغوس بالملف اللبناني بدلا منه، بعد فشل مهمته وباتت ورقته التي أقرتها الحكومة بحكم الملغاة، خصوصًا بعد إحياء لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار وتعيين جنرال أميركي على رأسها واستئناف اجتماعاتها بإشراف أورتاغوس؟.
لا شك في أن كلام باراك يناقض بشكل كامل قرارات القمة العربية الإسلامية التي عقدت استثنائيا في قطر تضامنا معها بعد العدوان "الإسرائيلي" عليها، كما يناقض كلّ ما قاله الرؤساء والزعماء العرب سواء في مؤتمر حل الدولتين أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يفترض بهؤلاء مساءلة الإدارة الأميركية عن هذه التصريحات التي تتضمن تهديدًا مباشرا لسيادة دولهم، وعما إذا كانت بتوجيه منها دعما لمخطّطات نتنياهو أو مجرد اجتهاد شخصي من باراك.
أما في لبنان، فكما درجت العادة لم تحرك الحكومة ورئيسها نواف سلام ووزير خارجيتها يوسف رجي ساكنا لا تجاه كلام نتنياهو ولا تجاه كلام باراك، في حين أن نتنياهو بات يثني مرارا وتكرارا على ما تقوم به الحكومة التي يفترض بها أن تراجع حساباتها انطلاقًا من أن كلّ قرار يخدم العدوّ ال"إسرائيلي"، يسيء إلى لبنان ويتناقض مع الدستور ومع المصلحة الوطنية العليا، وتاليا، ما هو موقف الرئيس سلام أمام إشادة نتنياهو بحكومته؟ وكيف سيتعاطى مع دعوته إلى قيام مفاوضات مباشرة مع العدوّ الإسرائيلي؟ وماذا ستكون ردة فعله حيال توصيف باراك لمشكلة لبنان بأنها في انعدام الحوار بينه وبين عدوه التاريخي؟.
يبدو أن الرئيس سلام مستمر في الاستثمار بفعالية صخرة الروشة التي يسعى من خلالها إلى تغطية “السماوات بالقباوات”، والسير ضمن الأجندات الخارجية التي بالرغم من فشلها ما يزال يفتش عن كيفية إيجاد الثغرات لتنفيذها ولو أدى الأمر إلى فتنة داخلية أو إلى زج الجيش في مواجهة شعبه.
أما وزير الخارجية يوسف رجي المشغول في هذه الأيام بالرد على تصريحات المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله، “فقد أفلحت إذ ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي”..