اوراق مختارة

الطمر التقليدي لم يعد خياراً: النفايات بين تدمير البيئة اللبنانيّة وخطر الاحتباس الحراري!

post-img

شانتال عاصي (جريدة الديار) 

يعيش لبنان أزمة نفايات متفاقمة، تتجلى في مطامر مكتظة بالقمامة، خاصة في منطقة كسروان، حيث أصبح المكب الرئيسي، مكب الجديدة، عاجزاً عن استيعاب كميات النفايات المتزايدة يوميًا. هذه الأزمة لم تنشأ فجأة، بل هي نتيجة تراكم سنوات من السياسات الترقيعية في إدارة النفايات، والتي أدت إلى تفاقم الأضرار البيئية والصحية، وجعلت البلاد على حافة كارثة بيئية محتملة.

تُظهر التجربة اللبنانية أن الحلول المؤقتة مثل الطمر التقليدي للنفايات ليست سوى مسكنات قصيرة الأمد، إذ تتحول المطامر مع الوقت إلى جبال ضخمة، تشكل تهديداً مباشرًا للبيئة وصحة الإنسان، مع ارتفاع المخاطر الاجتماعية والاقتصادية على المجتمعات المحيطة.

المخاطر البيئية لمطامر النفايات

يعد الطمر التقليدي للنفايات أسلوبًا بدائيًا وغير مستدام، إذ يخلق سلسلة من التحديات البيئية المعقدة. أولها تلوث التربة والمياه الجوفية، نتيجة تسرب السوائل الملوثة من النفايات المتحللة، ما يهدد المحاصيل الزراعية والمياه الصالحة للشرب، ويؤثر سلبًا في النظم البيئية المحلية. إلى جانب ذلك، تنتج عملية التحلل الطبيعي للنفايات العضوية غازات ضارة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون، وهي غازات مساهمة رئيسية في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، ما يجعل مطامر النفايات عاملًا مباشرًا في تفاقم الأزمات البيئية العالمية.

تتسبب النفايات المتحللة أيضًا بانتشار الروائح الكريهة التي تؤثر في جودة الحياة للسكان المجاورين، وتخلق بيئة مثالية لتكاثر الحشرات والقوارض، مما يزيد من احتمالات انتشار الأمراض المنقولة بيئيًا، مثل الالتهابات المعوية والطفيلية، ويشكل تهديدًا للصحة العامة. هذه المخاطر تتفاقم بشكل خاص في المطامر غير المنظمة التي تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة للتعامل مع تدفقات النفايات والفرز البيئي.

إضافةً إلى ذلك، تؤدي هذه المطامر إلى انسداد مجاري المياه، ما يزيد من مخاطر الفيضانات خلال مواسم الأمطار، ويهدد المباني والممتلكات المجاورة، ويزيد من التآكل والتدهور البيئي للمناطق المحيطة. ويؤكد الخبراء أن سياسة الترقيع التي اتُبعت منذ سنوات في مكب الجديدة حولت المكب إلى جبل ضخم يتجاوز ارتفاعه 14 مترًا، ما يعكس خطورة الوضع ويجعل هذه المشكلة إرثًا بيئيًا ثقيلًا للأجيال المقبلة. هذا التكدس الضخم للنفايات يعوق التهوية الطبيعية والتحلل البيولوجي الآمن، ويزيد من احتمالية نشوب حرائق مفاجئة، والتي تنتج منها أبخرة سامة تزيد من المخاطر الصحية وتلوث الهواء على نطاق واسع.

وبالتالي، فإن هذه المخاطر البيئية لا تتعلق فقط بالتلوث المحلي، بل تمتد لتشمل تأثيرات متشابكة في المناخ، والصحة العامة، والنظم البيئية، والبنية التحتية، ما يجعل من إدارة النفايات بطريقة مستدامة ضرورة ملحة وعاجلة لمنع كارثة بيئية محتملة على الصعيد الوطني.

التأثير الصحي والنفسي في السكان

يشكل التعرض المباشر للنفايات المتراكمة في المطامر تهديدًا صحيًا خطرًا على السكان القريبين منها، إذ يؤدي إلى ظهور مجموعة واسعة من المشاكل الصحية المزمنة والحادة. من أبرز هذه المشاكل أمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو والتهابات الرئة المزمنة، نتيجة استنشاق الغازات السامة والغبار المحمل بالميكروبات والمواد الكيميائية الضارة. كما يعاني السكان من حساسية جلدية وطفح جلدي نتيجة التلامس المباشر مع النفايات أو المياه الملوثة، بالإضافة إلى حالات التسمم بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق، والتي تنتج من تسرب مخلفات صناعية وسامة إلى التربة والمياه الجوفية.

وتتجاوز المخاطر الجسدية لتشمل التأثيرات النفسية، حيث تشير الدراسات إلى أن الروائح الكريهة وانبعاث الغازات السامة المستمرة تؤدي إلى مستويات مرتفعة من القلق والتوتر المزمن والاكتئاب بين السكان المحليين. ويؤثر الوضع المزمن للنفايات في جودة النوم، والإنتاجية اليومية، ويزيد من الشعور بعدم الأمان الصحي، ما ينعكس على الصحة النفسية للأطفال والبالغين على حد سواء.

ويشير الخبراء إلى أن تراكم النفايات وعدم معالجتها بشكل مناسب يخلق بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض، التي تنقل الأمراض المعدية مثل الإسهالات والحمى والأوبئة الجلدية، ما يزيد من الأعباء الصحية على المجتمع ويضع ضغوطًا إضافية على النظام الصحي المحلي، الذي غالبًا ما يفتقر إلى الإمكانات الكافية للتعامل مع هذه التحديات. ويضيف هذا الوضع عامل خطر مزدوج: تأثير مباشر على الأفراد نتيجة التعرض للنفايات، وتأثير غير مباشر في المجتمع نتيجة انتشار الأمراض والأوبئة المحتملة.

علاوة على ذلك، تؤدي الأزمة المزمنة للنفايات إلى زيادة معدلات الهجرة الداخلية والخارجية من المناطق الأكثر تلوثًا، مما يعكس أثرًا اجتماعيًا واقتصاديًا إضافيًا. إذ يجد السكان أنفسهم مضطرين إلى الابتعاد عن منازلهم أو تقليل وقت وجودهم في محيط المطامر، مما يضعف الروابط المجتمعية ويزيد من الضغط النفسي على العائلات. بالتالي، فإن أزمة النفايات ليست مجرد مشكلة بيئية أو صحية، بل أزمة متعددة الأبعاد تهدد جودة الحياة والاستقرار الاجتماعي في المناطق المتأثرة.

مخاطر الحلول المؤقتة وطمر النفايات

رغم أن فتح مطمر الجديدة مؤقتًا قد يخفف الضغط الفوري على الطرقات ويؤجل الكارثة البيئية، فإن هذه الخطوة تُعد حلًا قصير الأمد وغير مستدام. فالطمر المباشر للنفايات، رغم كلفته الظاهرية المنخفضة، يحمل آثارًا طويلة الأمد على البيئة والمجتمع. إذ يؤدي تراكم النفايات إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، ويزيد من انبعاث الغازات السامة، مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون، ما يفاقم الاحتباس الحراري ويهدد استقرار النظام البيئي المحلي.

إضافةً إلى ذلك، يترتب على هذا الأسلوب تفشي الأمراض المرتبطة بالنفايات، وانتشار الحشرات والقوارض، ما يزيد من العبء الصحي على السكان المجاورين ويضع الضغوط على النظام الصحي المحلي. كما أن ارتفاع كميات النفايات في المطامر يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة وانبعاث الأبخرة السامة، ما يؤثر سلبًا في الصحة النفسية للسكان، مسببة القلق والتوتر المزمن، خصوصًا للأطفال وكبار السن.

وتشير الدراسات البيئية إلى أن استمرار الاعتماد على المطامر كحل وحيد سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، ويزيد احتمالات تكرار سيناريو عام 2015، الذي شهد تراكم النفايات على الطرقات لأسابيع، ما خلق أزمة صحية وبيئية واجتماعية واسعة النطاق. فالحلول المؤقتة تمنع إيجاد استراتيجيات جذرية ومستدامة، وتؤخر الانتقال إلى مشاريع معالجة متكاملة للنفايات مثل المعامل المخصصة لإعادة التدوير والتحويل إلى طاقة، والتي تقلل من الأضرار البيئية وتحقق فوائد صحية واقتصادية طويلة الأمد.

علاوة على ذلك، يشكل استمرار الطمر التقليدي تهديدًا للأجيال القادمة، إذ يترك ترسبات نفايات ضخمة يمكن أن تستمر لسنوات طويلة في التفاعل مع البيئة، ما يؤدي إلى أضرار غير قابلة للإصلاح بسرعة، مثل تلوث المياه الجوفية والتربة، وانتشار مسببات الأمراض، وتدهور جودة الهواء. لذا، يرى الخبراء أن الحلول المؤقتة، رغم ضرورتها في بعض الحالات الطارئة، يجب أن تواكبها خطط عاجلة لإعادة تشغيل معامل معالجة النفايات وتطبيق استراتيجيات مستدامة تقلل الاعتماد على الطمر التقليدي، وتؤسس لنظام بيئي نظيف وآمن على المدى الطويل.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد