محمد الجنون (لبنان 24)
منذ تشرين الأول 2023 ولغاية تشرين الأول 2025، تبدّل المشهد على صعيد حزب الله وبات كلّ شيء مُختلفا بالنسبة له.
من سورية التي لم تعد "حليفة له" وصولًا إلى الضربات "الإسرائيلية" التي تعرّض لها جراء الحرب الأخيرة على لبنان العام الماضي إلى جانب التبدلات الداخلية التي يشهدها أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، كلها عوامل تفتحُ الباب أمام قراءة متأنية لمشهدية حزب الله الجديدة.
منذ 8 تشرين الأول 2023، جنحَ حزب الله نحوَ واقعٍ مُغاير لواقعه السابق، وذلك منذ أن قرّر إسناد حركة "حماس" في غزّة إثر إطلاقها معركة "طوفان الأقصى" ضدّ "إسرائيل"، والتي انتهت فجر اليوم الخميس بتوقيع اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين "حماس" و"إسرائيل".
آنذاك، وحينما أطلق حزب الله معركة الإسناد بدءًا من مزارع شبعا المُحتلة، لم يكن يتوقع أن أمنه مُخترق بشدّة من قبل "إسرائيل" لدرجة أن اتّصالاته ربما كانت مكشوفة ومرصودة، وأن وحدات الأماكن التابعة لها كلها كانت بقبضة الإسرائيليين حيث تم اغتيال قادة من الصف الأول بغارات محدّدة ودقيقة.
الواقع الذي دخله حزب الله في 8 تشرين الأول 2023 كشف عن "هشاشة استخباراتية" ضخمة، وهنا كانت حربه الرئيسية والأساسية. وفعليًا، فإن ما جعل حزب الله يتأثر بشدة آنذاك هو معركة المعلومات وأيضًا حرب الاستخبارات. من ناحيته، كان الحزبُ يسعى لإبراز تفوق عسكريّ لكنّه في الوقت نفسه لم يستطع مضاهاة التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي الإسرائيليّ.
في الواقع، فإن حزب الله اعتمد على ركيزة قديمة جدًا في معركته تتصلُ باعتماد تكتيكات حربية وعسكرية تقليدية تمثلُ أجيالًا سابقة من الحروب ليستخدم جزءًا من أدوات تغير وجه المعارك كالطائرات المسيّرة، بينما لم يستطع في الوقت نفسه أن يمتلك تكنولوجيات وعمليات استخباراتية ضخمة إلا تلك التي كانت تتصلُ بتحديد مواقع العمليات وقدرات الاختراق الجوي، بينما عدا ذلك لم يكن مكشوفًا أو قد لا يكون موجودًا.
في المقابل، اعتمد العدوّ "الإسرائيلي" على تكنولوجيا وبيانات وذكاء اصطناعي تمكّن عبره من اجتياز كلّ التكتيكات التقليدية وفرض مواجهة من نوع آخر ضدّ حزب الله ليس على الحدود بل في الداخل اللبناني، وهنا يكمن بيت القصيد.
حتّى الآن، يتحدث حزب الله عن التعافي، لكن السؤال المحوري: هل تعافى استخباراتيًا؟ وهل هو ضامنٌ لمسألة عدم حصول خروقات جديدة لقادته؟ وهل باستطاعته أن يردّ استخباراتيًا على ما تعرض له من الباب نفسه؟ وهل استطاع ترميم جبهته الداخلية الاستخباراتية والتقنية واللوجستية والفنية والتكنولوجية؟
أبرزُ خطر يواجهه حزب الله اليوم هو كيفية تحصين "جبهة الاتصالات" مُجددًا، فما الذي يمنع أن تخرقه "إسرائيل" مُجددًا بأجهزة مفخخة على غرار أجهزة "البيجر" التي انفجرت في 17 أيلول 2024 بعناصر "الحزب"؟
هنا، يقول خبير تقني إنّ "حزب الله"، ومنذ ذلك الحدث الخطير، دخل في متاهة كبيرة تتعلق بالاتصالات، مشيرًا إلى أن السؤال الرئيسي يتمحور في قدرته على إيجاد وسائل آمنة لا يمكن خرقها بسهولة أو حتّى تفخيخها.
وإذا كان حزب الله يريد التعافي الاستخباراتي، فإن الأمر الأساس يتصلُ بالدرجة الأولى في تحصين الاتصالات، فالمعركة الأساسية تكمنُ هنا.. فهل سيبتكر حزب الله أجهزة خاصة به؟ هل لديه القدرة على ذلك؟ وهل بإمكانه أن يكسب حربًا متقدمة تكنولوجيًا بوسائل بدائية أبرزها اعتماد الورقة للتواصل؟
المسألة تحتاج إلى تدقيق كبير في ماهية المعركة، وما إن خسر حزب الله شيفرة الاتّصالات الآمنة، فسيكون في خطر مُجددًا.. فكيف ستكون المعالجة وهل هي حصلت فعلًا؟ الإجابة عند الحزب نفسه وفي أوساطه الداخلية الضيقة..