إبراهيم الأمين (الأخبار)
عندما سأل أحد السياسيين مسؤولًا إيرانيًا رفيع المستوى عن مدى جدية الحديث عن احتمال عودة الحرب مع "إسرائيل"، ردّ المسؤول الإيراني بعبارات واضحة قائلًا: "من قال إن الحرب انتهت، هناك وقف لإطلاق النار فقط. وليس هناك ما يمنع تجدّد الحرب، ولذلك، فإن إيران تقوم بكلّ ما يجب أن تقوم به، من أجل مواجهة خطر كهذا، وهي استفادت من جولة الـ12 يومًا، خصوصًا أن الهدف الفعلي كان قتل كلّ قيادة الدولة وإسقاط النظام، وليس هناك من يقول، إن أميركا و"إسرائيل" قد تراجعتا عن هدفهما".
يحصل ذلك، في ظل استئناف موجة الضغوط القصوى على إيران من قبل أميركا وحلفائها في أوروبا، مقابل إستراتيجية إيرانية تقوم على فكرة أن التفاوض مع الأميركيين غير نافع في هذه المرحلة، وأن العقوبات التي تورّطت أوروبا فيها، تعزّز قناعة طهران بأن التحالف العالمي ضدّها، لا يزال يفكر بنفس الطريقة. وبالتالي فإن أي نقاش في إيران حول كيفية التعامل مع أميركا ومع الغرب، تجاوز فعليًا مرحلة اختبار النوايا. وبالتالي فإن كلّ نقاش في إيران حاليًا، يقتصر على سبل تعزيز قدرات الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية في مواجهة حرب قائمة.
في ظل هذه المناخات، شهد كيان العدوّ موجة من التصريحات والتحليلات التي لا تعطّل فكرة المواجهة من جديد. وكان لتصريحات وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، أثرها، ليس على مستوى الجمهور في "إسرائيل" فقط، بل على المناخ العام، سيما أن الأمر تطوّر في سياق وصل إلى ما صدر عن رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو، والذي يبدو أنه بدأ في بناء سردية جديدة حول الخطر الإيراني، في سياق تعبئة لأميركا والأوروبيين تبرّر تصعيد المواجهة مع إيران.
ليبرمان، قال في مقابلة مع إذاعة "ريشت بي"، إن "جولة الحرب القادمة مع إيران تقترب"، وأوصى الإسرائيليين مجدّدًا بالبقاء قرب المناطق المُجهّزة.
وهو كرّر كلامًا سبق أن قاله عشية الأعياد اليهودية. الأمر الذي دفع بمصدر أمني رفيع المستوى إلى مهاجمته بالقول: "ليبرمان يسبح في الفضاء كجسم طائر مُنفصل عن مركبته الفضائية الأمّ، معزولًا عن جميع الاتّصالات والمعلومات، ويُطلق خطابًا فوضويًا. إن محاولته تخويف الرأي العام "الإسرائيلي" بشأن قضية إيران لجذب الانتباه، في إطار الصراع على الصدارة بين قادة المعارضة، أمرٌ مؤسف ومقلق في آنٍ واحد".
في منشور آخر عاد ليبرمان يقول: "بدأت الحرب مع إيران بدايةً رائعةً وحقّقت إنجازاتٍ لا بأس بها، لكنّ المهمّة لم تُنجز. تركنا الإيرانيين في حالةٍ من الضعف، وهذا هو الوضع الأخطر. ما يحدث منذ ذلك الحين لا بدّ أن يُحرم أي شخصٍ مسؤولٍ مُلِمٍّ بالموضوع من النوم".
على أن الأمر لا يقتصر على كلام ليبرمان، إذ جاء كلام نتنياهو في مقابلة مع الإعلامي الأميركي الصهيوني بن شابيرو ليوضح الوجهة العامة للعدو. وهو قال إن حرب "إسرائيل" المفتوحة لم تنته بعد. توقّف عند ما يجري في غزّة ثمّ قال: "حماس لم تُدمَّر تمامًا بعد، وكما تلقّى حزب الله وسورية والحوثيون ضربات موجعة. لا تزال أمامنا مهام متبقّية لتحقيق النصر الكامل".
لكنّ نتنياهو الذي يهتم بأن يبقى الغرب مستنفرًا لتغطية جرائمه، ويهتم أكثر بموقف الولايات المتحدة، وبموقف الأميركيين وليس الإدراة فقط، سارع إلى الحديث عن إيران بطريقة مختلفة، وقال إن "إيران تحاول تطوير صواريخ نووية عابرة للقارات لتهديد مدنكم. وهي تُطوّر صواريخ بمدى 8000 كيلومتر. أضف 3000 كيلومتر أخرى، وستُوجّه أنظارها النووية نحو نيويورك وواشنطن وبوسطن وميامي، وحتّى مار آلاغو (حيث يقع منتجع ترامب). لا أحد يُريد أن يكون تحت أنظار من يهتفون "الموت لأميركا"".
الجلبة التي أحدثتها تصريحات ليبرمان ثمّ كلام نتنياهو، دفعت المؤسسة العسكرية والأمنية في "إسرائيل" إلى التحرك من أجل "تقليل الحديث" عن مخاطر الحرب مع إيران. وقد تولّى الصحافي رون بن يشاي في ""يديعوت أحرونوت"" عكس الموقف في مقال كتب فيه أنه "في الوقت الحالي، تقول المؤسسة الأمنية إنه لا توجد أي مؤشرات على أن إيران على وشك تنفيذ هجوم أو حتّى التخطيط له على "إسرائيل".
والأهم من ذلك، فإن "إسرائيل" لا تنوي حاليًّا مهاجمة إيران أو الدخول في صراع عسكري معها". ووفقًا لتقرير الصحيفة فإن "تغريدة ليبرمان ليست خالية من الحقائق. فإيران تبذل جهودًا لإعادة بناء نظام دفاعها الجوي. كما تبذل إيران أيضًا جهودًا كبيرة لإعادة بناء نظام إنتاج الصواريخ الباليستية الحديث والدقيق".
لكن، الواضح بالنسبة إلى الأطراف كافة، أن العقل "الإسرائيلي" الذي يعمل الآن على موجة الحروب المفتوحة، لا يزال يعتقد بأن الفرصة سانحة لمزيد من المعارك الكبرى. وما قاله نتنياهو حول إيران، جاء في سياق ملطّف في مقابلته.
لكن سبق للمبعوث الأميركي إلى لبنان وسورية توم برّاك، أن نقله عنه بطريقة فجّة، خصوصًا عندما كرّر الأخير في أكثر من مقابلة أن "إسرائيل" لا تقف عند حدود، وأنها ستقوم بضرب كلّ تهديد متى تشاء وفي أي مكان.
لكنّ برّاك، أورد في إحدى المقابلات، ما سمعه مباشرة من نتنياهو في لقاء جمعهما في تل أبيب. وقال برّاك: "إسرائيل لا تعتقد أنها أنهت مهمتها، وأن ما فعلته ضدّ حزب الله وحماس والحوثيين، لا يكتمل إلا بقطع رأس الأفعى في طهران".
واضح أن الجهد الاستخباراتي لا يزال أساسًا لكل حروب "إسرائيل". لكنّ ثمّة تبدّلًا طرأ، حيث يغلب على مزاجها الغرور والغطرسة في آن. وهي تحاول الاستفادة من تعاون غير مسبوق مع الغرب. وهو أمر يعزّز الاحتمال بأن فكرة الحرب عن بعد، يمكن أن تكون حاضرة بقوة في وجه إيران. والمقصود، أن تلجأ إلى إعادة ملء بنك أهدافها بما يجعلها قادرة على توجيه ضربات أكثر قساوة إلى إيران أو إلى لبنان.
لكنّ الأكيد، أن "إسرائيل"، فهمت بشكل جدّي، أن أي حرب أو مواجهة جديدة مع لبنان أو إيران، لا يمكن أن تسلك دربها من دون شراكة أميركية واضحة. أي إن الأمر لم يعد يقتصر على توفير واشنطن ذخائرَ ودعمًا استخباراتيًا فقط، بل يتجاوز حتّى فكرة منظومة الدفاع الجوي، إلى حدود المشاركة المباشرة في الحرب. وهو ما يعمل عليه الإسرائيليون بقوة، من خلال بناء سردية تقول، إن الحرب هذه إنما هدفها حماية المصالح الأميركية وليس مصالح "إسرائيل" فقط.