اوراق مختارة

المستقبل الأخضر للبنان: إعادة التشجير وزيادة المحميات ضرورة لا يمكن تأجيلها

post-img

شانتال عاصي (جريدة الديار)

يشهد العالم اليوم موجة غير مسبوقة من التغيرات المناخية، ارتبطت بشكل مباشر بفقدان المساحات الحرجية والغابات الطبيعية. فاختفاء الغطاء الأخضر يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون، وارتفاع درجات الحرارة، وتفاقم الفيضانات والجفاف، بالإضافة إلى فقدان التنوع البيولوجي، الذي يهدد استقرار الأنظمة البيئية على مستوى الكوكب. ويعتبر لبنان جزءا من هذه المعركة العالمية، حيث تواجه غاباته القديمة والمحمية الطبيعية تحديات كبيرة، تهدد مناخ البلاد واستدامتها البيئية.

تلعب الغابات دورا بيئيا بالغ الأهمية، فهي تحافظ على مستويات الرطوبة، وتقلل من مخاطر الانزلاقات الأرضية، وتدعم نفاذية التربة للمياه، مما يحسن إمدادات المياه الجوفية. كما تعمل الأشجار على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وتوفير الأكسجين، وتعزز التنوع الحيوي للنباتات والحيوانات، بما يضمن استدامة النظم البيئية اللبنانية.

ضرورة إعادة تشجير لبنان

تفرض الحوادث الأخيرة، مثل الاعتداء على غابة أرز الربّ، ضرورة إعادة تشجير لبنان بشكل عاجل ومستدام. فإعادة التشجير تمثل حجر الزاوية في حماية البيئة اللبنانية، إذ تساهم بشكل مباشر في تحسين جودة الهواء من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأوكسجين، ما يقلل من حدة التلوث ويحد من ظاهرة الاحتباس الحراري المحلي.

إضافة إلى ذلك، تعزز الغابات المزروعة حديثًا قدرة البلاد على مواجهة التغير المناخي، فهي تعمل كحواجز طبيعية ضد الفيضانات والانزلاقات الأرضية، وتمنع التعرية والتصحر، ما يحافظ على التربة الخصبة ويزيد من قدرة الأراضي الزراعية على الاحتفاظ بالمياه. كما تلعب الأشجار دورا مهما في تنظيم دورة المياه المحلية، ما يسهم في دعم مصادر المياه العذبة وتحسين نوعيتها، وهو أمر حيوي في ظل أزمة ندرة المياه التي تواجه لبنان.

وليس البعد البيئي وحده، بل يمتد التأثير إلى الاقتصاد المستدام، إذ يمكن للغابات والمناطق المشجرة أن تعزز السياحة البيئية، وتوفر الفرص للتعليم البيئي والبحث العلمي، ما يخلق فرص عمل جديدة ويزيد من وعي المجتمع بقيمة الموارد الطبيعية. إعادة التشجير ليست مجرد زراعة أشجار، بل استثمار طويل الأمد في صحة البيئة والمناخ واستدامة الاقتصاد اللبناني.

رفع عدد المحميات الطبيعية

تمثل زيادة عدد المحميات الطبيعية خطوة استراتيجية لحماية الغابات والأراضي البيئية الحساسة في لبنان. تعمل المحميات كملاذات آمنة للنظم البيئية، حيث تقلل من التعديات البشرية المباشرة، وتحمي الأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، بما يحافظ على التنوع البيولوجي الذي يعد ركيزة أساسية لاستقرار البيئة.

تلعب المحميات دورا بالغ الأهمية في استقرار المناخ المحلي، فهي تقلل من تأثير الرياح القاسية وتعمل كمنطقة تبريد طبيعية، ما يخفف من ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الحضرية المجاورة. كما تدعم المحميات التوازن البيئي، فتساعد على الحفاظ على التربة والمياه، وتقلل من الانزلاقات الأرضية والسيول المفاجئة، مما يعزز قدرة لبنان على مواجهة التغيرات المناخية والجفاف المتزايد.

إضافة إلى ذلك، يمكن للمحميات أن تكون منصة للبحث العلمي والمراقبة البيئية، مما يتيح تقييم تأثير السياسات البيئية وفعالية إعادة التشجير، ويزيد من قدرة السلطات المحلية على التخطيط لمستقبل مستدام. رفع عدد المحميات ليس إجراءً روتينيًا، بل استثمار بيئي واستراتيجي يضمن للبنان حماية ثرواته الطبيعية وتحقيق استقرار المناخ والنظم البيئية على المدى الطويل.

تأثير إعادة التشجير وزيادة عدد المحميات على البيئة والمناخ

التحديات

تساهم إعادة التشجير ورفع عدد المحميات في تحسين جودة الهواء وتقليل التلوث، وزيادة نسبة الرطوبة في المناطق الجبلية، ودعم استقرار التربة ومنع الانزلاقات. كما تعمل هذه الخطوات على خفض درجات الحرارة في الصيف، ودعم التنوع البيولوجي من خلال توفير بيئة آمنة للأنواع المهددة بالانقراض، بما يعزز من استدامة البيئة والمناخ اللبناني.

تواجه جهود إعادة التشجير وتوسيع المحميات عدة تحديات، أبرزها نقص التمويل لمشاريع التشجير، وضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، وقلة التشريعات الرادعة ضد الاعتداء على الغابات. كما يشكل التوسع العمراني والاستغلال غير المستدام للأراضي الزراعية ضغطًا مستمرًا على الغابات، إضافة إلى ضعف الوعي البيئي بين المواطنين.

في المحصلة، توضح الأحداث الأخيرة أن حماية غابات لبنان وإعادة تشجيرها وزيادة عدد المحميات الطبيعية ليست خيارا، بل ضرورة عاجلة للحفاظ على البيئة والمناخ والتراث الطبيعي والتاريخي للبلاد. حماية غابات لبنان الكبرى يعكس التزام المجتمع والدولة بالحفاظ على إرث لبنان الطبيعي وضمان استدامته للأجيال المقبلة، مع دعم التوازن البيئي وصحة المجتمع.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد