عدنان عبدالله الجنيد/ كاتب يمني
لم يكن الحشد الكشفي الضخم في بيروت مجرد احتفالٍ عابر، هو إعلانٌ استراتيجيٌّ عن ولادة نموذجٍ جديد في معادلات القوة الإقليمية. أكثر من 74,475 منتسبًا لم يجتمعوا للمشاهدة فحسب، لقد قدّموا درسًا عمليًا للاستخبارات: هناك بنية مجتمعية وتنظيمية قادرة على إعادة تعريف مفاهيم الردع والاستمرارية في المنطقة.
- الزلزال البشري وتفكيك فرضية "قطع الرأس"
تجمع "أجيال السيد" كشف هشاشة فرضية الاعتماد على الاستهداف الفردي كأداةٍ فاعلة لشلِّ حركة خصمٍ ذي بنيةٍ اجتماعية متماسكة. الملاحظات الاستراتيجية واضحة:
الاستمرارية المؤسسية: الفراغ القيادي يتحوّل بسرعة إلى حاضنةٍ لقياداتٍ جديدة.
تحويل الخسارة إلى طاقةٍ تعبويّة: كل حدثٍ قد يُستثمر في تعبئةٍ مجتمعية.
العمق البشري: القيادة ليست قاصرةً على أشخاص، بل منظوماتٌ ومؤسَّسات تُعيد إنتاج نفسها.
- الهيكل التنظيمي: "الجيش الخفي" بقدرات مدنية ولوجستية
القدرة على التنظيم والنقل وإدارة أكثر من 74 ألف شخص بانضباطٍ كامل تكشف أطرافًا إدارية ولوجستية تُشبه في مبدأ عملها أنظمة الدولة
بنية تحتية تنظيمية تعمل بكفاءة عالية.
آليات تدريب وتمويل وتنقّل تستدعي إعادة تقييم الحسابات الاستخباراتية التقليدية.
قدرة مدنية-اجتماعية تُستخدم أداة في تأثير طويل الأمد.
- الانضباط العقائدي: سلاح النفوذ الاستراتيجي
المقلق ليس عدد المشاركين فحسب، بل نوعية الالتزام: التزامٌ ثقافي وفكري يجعل من مواجهة هذا التيار مهمةً تتجاوز الضربات اللحظية لتصبح معركةَ بناءٍ طويل الأمد للقيم والولاء.
الردع الشفاف واستراتيجية القوة المعلنة
التحوّل من سياسة الغموض إلى عرضٍ منظمٍ ومعلن للقوة يغيّر منطق الخصم النفسي
الوضوح في الرسالة يضع خصمَ الردع أمام واقعٍ بصري ومنهجي.
الطابع العاملي للمشهد يزيد الضغط النفسي ويعقّد تقديرات المخاطر لدى صانعي القرار.
- المشروع الإقليمي.. من الظاهرة المحلية إلى الفاعل المتكامل
رفعُ رموزٍ مشتركة وتبادل إشارات سياسية مع فواعلٍ إقليمية يرسّخان فهمًا استخباراتيًا بأن ما يجري ليس حالا محليةً منعزلة، هو جزء من مشهدٍ إقليميٍّ مترابط له انعكاساتٌ على حسابات القوى.
الاستدامة والاستثمار في الأجيال سر القوة الحقيقية:
ما يُقلق الخصم ليس الحشدُ الحالي بقدر ما يهمّه خطةُ الزمن: تنشئةُ أجيالٍ، برامجُ تعليمٍ وتدريبٍ، ومؤسّساتٌ مجتمعيةٌ تصلح لتقود المشروع على مدى عقود.
هذا التخطيط الزمني يجعل من التقديرات قصيرة المدى غير كافية.
الخلاصة: إعادة تعريف الخصم وإطالةُ أمدِ الحسابات
ما وُلد في بيروت ليس عرضًا مؤقتًا، هو مؤشرٌ على مشروعٍ يمتلك القدرةَ على التحوّل إلى نموذجِ مقاومةٍ شامل: عسكريًّا اجتماعيًّا وثقافيًّا. على مراكز القرار الاستخباراتي أن تعيد حساباتها: المواجهة لم تعد مقيّدةً بضربةٍ عابرة، بل أمام شبكةٍ مؤسساتيةٍ تتعامل بالزمن كحليف.
رسالةٌ للأجهزة الاستخباراتية: لا تعاملوا هذا المشهد كحدثٍ عابر؛ تعاملوا معه كنمطٍ جديدٍ في بناء القوة يستدعي أدواتٍ تحليليةً وسياسيةً مختلفة.
