اوراق مختارة

هل تعود القطارات إلى السكة؟ مشروع لإحياء المحطات...

post-img

أمل سيف الدين (جريدة الديار) 

في وقتٍ لم يعد فيه القطار جزءًا من المشهد اللبناني سوى في ذاكرة الأجيال، تتجه الأنظار مجددًا إلى مصلحة السكك الحديدية والنقل المشترك التي باشرت خطوات عملية لترميم عدد من المحطات التاريخية، في محاولة لإعادة إحياء هذا المرفق الحيوي الذي شكل يومًا شريانًا اقتصادياً واجتماعياً أساسياً في البلاد. وبين من يرى في المشروع خطوة إصلاحية ضرورية، ومن يعتبره حلماً بعيد المنال، يبقى السؤال: هل نحن أمام انطلاقة فعلية أم مجرد مبادرة رمزية لإبقاء الذاكرة حيّة؟

شيا: نُرمّم المحطات لا السكة...

والهدف إحياء الذاكرة وتأمين الديمومة

في حديث خاص مع جريدة "الديار"، أوضح المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك زياد شيا أنّ لدى المصلحة 48  محطة سكة حديد تمتد على مسارات بطول 403 كيلومتر وتفوق مساحتها 10 ملايين متر. وأكد أن الهدف من العمل الحالي ليس إطلاق القطار غدًا، "فهذا فوق قدرتنا"، بل "محاولة رفع ومنع التعديات على العقارات التابعة للمصلحة".

وردًّا على سؤال حول جدوى ترميم المحطات في ظل غياب القطارات، قال شيا: "نحن لا نقوم بإعادة ترميم للسكك بل للمحطات لتصبح مكونة من قاعات محاضرات ومقاهٍ ومتحف صغير يضم ذاكرة المحطة القديمة، فنظامنا الاستثماري يتيح إمكان الاستثمار دون المساس بجوهر القطار، بل عبر مشاريع مكملة."

وضرب مثالاً على ذلك بمحطة مار مخايل، "وهي المحطة الأم التي نقوم بإعادة ترميمها مع الحكومة اللبنانية ووكالة التنمية الإيطالية، من خلال مشاريع استثمارية شبيهة بما يُنفذ في محطات العالم، مثل قاعات محاضرات ومقاهٍ ومتحف صغير يضم ذاكرة المحطة القديمة إلى حين اتخاذ القرار بشأن القطار".

وأضاف شيا أن المصلحة تعمل على تشغيل المحطات وتأمين مردود مادي لضمان استمرارية المشروع، "من خلال قانون الشراء العام وبشِرْكة مع القطاع الخاص، كي نبقى واقفين على أرجلنا وننتج استثمارات لمصلحة  ديمومة هذه المشاريع". وأكد أن ما يجري "ليس عملاً على أنقاض سكة بل مشروع طبيعي كما في أي محطة في العالم"، مشددًا على أن الطموح الحالي هو تأمين مصاريف التشغيل والاستمرارية.

أما بالنسبة إلى مصادر التمويل، فلفت إلى أنها تأتي عبر وكالة التنمية الإيطالية التي "لا تُسلّم الأموال مباشرة، بل تتواصل مع الجهات المنفذة وفق دفتر شروط، ودورنا يقتصر على التنسيق والمتابعة، لنقوم لاحقًا بإطلاق شِرْكة مع القطاع الخاص عبر هيئة الشراء العام لتشغيل هذا المرفق الحيوي".

ويضيف شيا: "قدرتي كمدير عام تكمن في رفع التعديات وترميم المحطات على قاعدة ديمومتها، لكن ليس بإمكاني إطلاق قطار حالياً."

وأشار إلى أن منذ توليه المنصب قبل نحو ثلاثة أشهر كل الاتصالات والاجتماعات قائمة لإحياء الدراسات القديمة وتحسين وضع القطارات في لبنان، "لكن لا شيء يمكن الحديث عنه بعد".

ووصف المشروع بأنه "إحياء للذاكرة ودلالة للمجتمع والدولة بأن هذا القطاع لا يزال قائمًا ويستحق الالتفات إليه"، مضيفًا: "في كل دول العالم المتطورة، بقي القطار وسيلة أساسية للنقل، وأنا أعتبر أن من واجبي كمسؤول أن أضيء شمعة صغيرة بدل أن ألعن الظلام."

ولفت إلى أن عدد موظفي سكك الحديد لا يتعدى ثلاثة أشخاص "يحرسون ما يعادل 1.4% من مساحة لبنان، وهم حراس خطوط وعقارات يتقاضى كل منهم 300 دولار فقط، ومع ذلك يُسخَر منهم رغم أنهم يحافظون على أملاك عامة ضخمة".

وختم شيا بالقول: "هذا المشروع هو بداية أمل، لأنه في حال عاد القطار مستقبلاً، ستكون هذه المحطات جاهزة لاستقبال الناس وتشغيله من جديد".

طليس: "الكحل أفضل من العمى"...

والمشروع جزء من خطة قديمة

من جهته، أوضح رئيس اتحادات ونقابات النقل البري في لبنان بسام طليس أن مشروع ترميم المحطات يندرج ضمن خطة عامة أُقرت عام 2011 بعنوان "التكامل بين القطاعين العام والخاص"، وهي خطة ثلاثية المراحل: حالية، متوسطة، وبعيدة المدى، لكنها "تحتاج إلى إقرار من مجلس الوزراء الذي لم يُقرّها منذ ذلك الحين".

وقال طليس في حديثه لـ "الديار": "نحن نؤيد فكرة الترميم إذا كانت ضمن الخطة التي وُقعت في 2011، ونرحب بكل ما يُسهل النقل البري في لبنان".

وأضاف: "نحن نقدّر مسعى شيا، وأقول دائمًا: الكحل أفضل من العمى".

مطران: مشروع سياحي يحافظ على الذاكرة...

والنقل بالبضائع أولوية

أما رئيس المرصد اللبناني للسلامة المرورية لدى جوستيسيا السيد ميشال مطران، فاعتبر أن المشروع الحالي يحمل طابعًا سياحيًا بالدرجة الأولى، قائلاً: "إذا كان المشروع سياحيًا فهذا أمر جيد، فهو يحمي المحطات من الإهمال والاعتداءات ويحافظ عليها. حيث يمكن أن نعتبره عملية تظهير للمحطات والسكة الحديدية، وقد يكون جزءًا من خطة مستقبلية لاستعمالها".

وشدّد مطران على أهمية إعادة إحياء قطاع النقل العام للبضائع عبر تشغيل القطار القديم أو إنشاء مشاريع جديدة، معتبرًا أن "نقل البضائع اليوم يشكل معضلة حقيقية، إذ إن الطرق باتت ضيقة والمركبات كثيفة، ولم يعد مقبولًا أن تتشارك الشاحنات والسيارات السياحية الطرق نفسها".

ورأى أن الحل يكمن في تعدد وسائط النقل، ومنها القطار "الذي يخفف كثيرًا من الضغط المروري، خصوصًا إذا تمكّنا من فتح خطوط بين بيروت والشمال أو بين بيروت والمصنع".

وأضاف: "القطار في لبنان في حال وجوده يجب أن يكون لنقل البضائع بالدرجة الأولى لتخفيف الضغط عن الطرقات، وفكرة زياد شيا جيدة إذا كانت جزءًا من خطة استراتيجية شاملة لإعادة تفعيل المحطات والحفاظ عليها مكانياً".

وأشار مطران إلى أنه "تم الحديث سابقًا عن إحياء مشروع دراجات هوائية على سكة حديد القطار باتحاد بلديات قضاء زحلة"، متمنيًا أن "تكون هذه الخطوات تمهيدًا وتحضيرًا لأرضية تستقطب استثمارات في هذا الإطار".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد