اوراق مختارة

الولادات السورية «المُقنَّعة» تتزايد: 50 ألف مكتوم قيد محرومون من «الهوية اللبنانية»

post-img

زينب حمود (صحيفة الأخبار)

تتوسّع ظاهرة الولادات «المُقنَّعة» أخيراً، ولا سيما في مجتمع النازحين السوريين والعمال الأجانب والعاملات في الخدمة المنزلية، الذين يقيمون ويعملون في لبنان بصورة غير نظامية. وبما أنه دوماً ما يحضر عند الأزمات من يستغلّها، وجد عدد من المخاتير في الوضع الراهن فرصة للمتاجرة بإفادات «مكتومي القيد»، وقاموا بتوزيعها على أجانب لا يستحقّونها. حرّك ذلك لدى الدولة «فوبيا» تجنيس السوريين، ما أدّى إلى تشدّدها في منح الهويات لمن يستحقّها. الأمر الذي عمّق معاناة حوالى 50 ألف مكتوم قيد من أصول لبنانية، وجدوا أنفسهم في تحدّ لإثبات «لبنانيتهم» قبل تسجيل قيدهم في سجلّات الأحوال الشخصية.

لطالما تأثّر مكتومو القيد اللبنانيون بسوء إدارة ملف النزوح السوري في البلاد، وإصدار قرارات عشوائية تقيّد الوجود غير النظامي للأجانب، من دون استثناء مكتومي القيد منها. وآخر هذه القرارات حرمان الطلاب غير الحائزين على إقامات والذين نجحوا في الامتحانات الرسمية من الشهادات، و«راحت شهادات مكتومي القيد في الطريق»، كما قالت الموظّفة في المنطقة التربوية لـ«بَتول» (مكتومة قيد) عندما سألتها عن شهادتها الرسمية. وظلّت بتول، حالها كحال غيرها من مكتومي القيد، «قلقة من إقفال باب التسجيل في الجامعات»، حتى تراجعت الحكومة عن قرارها الأخير وأفرجت عن شهادات جميع الطلاب.

وأكبر دليل على الـ«فوبيا» من تجنيس السوريين وانعكاسها سلباً على ملفات مكتومي القيد اللبنانيين هو اقتراح قانون منع إعطاء مكتومي القيد من مواليد عام 2011 وما بعد الجنسية اللبنانية ربطاً بـ«شهادات مكتومي قيد يبيعها مخاتير لمواليد النازحين السوريين»، الذي تقدّم به النائب جورج عطالله قبل ثلاث سنوات. صحيح أن القانون المُقترح لم يمرّ، و«الحق بالجنسية لا يزال محفوظاً بالقانون لمكتومي القيد من أصل لبناني، ممن لم يختاروا الجنسية اللبنانية وفقاً للأصول القانونية المرعيّة الإجراء، ويتمتعون بالمؤهّلات القانونية اللازمة لاكتساب الجنسية اللبنانية كما نصت عليها معاهدة لوزان 1923 والقرار الرقم 2825 الصادر في عام 1924.

أمّا من أهمل قيده من قبل والده اللبناني المُدوّن قيده وفقاً للأصول، فلا نعدّه مكتوماً للقيد، بل مُهملاً قيده، ويمكن تسجيله بموجب قرار قاضٍ منفرد للأحوال الشخصية»، بحسب المديرة العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية رودينا مرعب. لكن النصّ شيء والتطبيق شيء آخر. فعند النظر في دعاوى مكتومي القيد، سرعان ما يتبيّن حجم العراقيل والتحفّظات، التي تُصعِّب إثبات الأحقية بالهوية اللبنانية.

ظلّت سارة (مكتومة القيد)، مثلاً، سنتين ونصف سنة تحاول تسجيل زواجها إدارياً في سجلّات النفوس من خلال وضع إشارة زواج على قيد زوجها اللبناني، لكن «كل المحاولات باءت بالفشل، بسبب الإجراءات الطويلة، وتكاليف توكيل محام، وحرق الأعصاب»، كما تقول، حتى قرّرت أخيراً «التوقف عن متابعة الملف وإنجاب أولاد وإن كان مصيرهم سيكون مثلي، مكتومي قيد». وهنا تبرز خطورة تأجيل البتّ في ملفات مكتومي القيد، من خلال توريث الأزمة، وارتفاع عدد مكتومي القيد أكثر فأكثر، ربطاً بـ«أكبر إشكالية في هذه المسألة وهي عدم القدرة على تسجيل الزواج والولادات التي ستصبح حُكماً مكتومة القيد».

وبعدما تحرّكت عجلة القضاء مطلع عام 2025، «شهّلنا في دعاوى مكتومي القيد التي كانت عالقة، وإن ليس بالطريقة المطلوبة، خاصة بعد تراكم الملفات لسنوات»، بحسب المحامية نورما حلاوي. فمعالجة ملفات مكتومي القيد تتطلب تسهيلات واختصار الطريق في كثير من الأحيان، بحسب ما يؤكّده أكثر من محامٍ يتابعون دعاوى مكتومي القيد لـ«الأخبار».

ويشرح أحدهم: «لا تستدعي كل الدعاوى تحقيق الأمن العام، هناك قضايا واضحة ولا لبس فيها يمكن للقاضي البت فيها فوراً، خاصة عندما يكون الأب لبنانياً وأهمل تسجيل قيد أولاده خلال مهلة السنة، أو عندما يتقدّم الزوج بطلب رجائي أمام قاضٍ منفرد جزائي ناظر في الأحوال الشخصية من أجل وضع إشارة زواج على قيده تدلّ على زواجه من مكتومة قيد، إذ لا يقبل القاضي إفادة «مكتومي القيد» من المختار ويشترط تحقيق الأمن العام قبل مطالعة النفوس وإصدار الحكم».

ويتحدّث المصدر عينه عن «رفض الأب في إحدى القضايا إجراء فحص الحمض النووي للتأكد من صحة النسب ومنح الجنسية للابن، ما أدّى إلى حرمان الأخير من حقّه في الهوية»، معلّقاً: «يمكن تخطي إجراء الحمض النووي لأنه ليست كل الإجراءات مُنزَّلة، ويمكن للقضاة الاجتهاد والتساهل وهذا ما يحصل أصلاً في بعض القضايا المماثلة، فلماذا لا يُعمّم هذا التساهل على جميع القضاة؟».

حاول المدير العام السابق للأحوال الشخصية إلياس خوري اختصار الطريق أمام الأولاد اللبنانيين الشرعيين الذين أُهمل قيدهم ضمن مهلة السنة المحدّدة في القانون، وتسريع تسجيلهم عبر إنشاء لجنة مختصّة تنظر في الطلبات، عبر مشروع قانون، لم يبصر النور، رغم مرور أكثر من عامين على اقتراحه. وخلافاً لما حاول خوري الدفع باتجاهه، ازدادت ملفات مكتومي القيد تعقيداً بسبب «عدم التمييز بين مكتومي قيد لبنانيين وولادات سورية لم تُسجّل، ومحاولات التزوير التي يقوم بها بعض المخاتير لمنح إفادات «مكتوم قيد» للسوريين»، بحسب مسؤولة المناصرة في جمعية «رواد الحقوق»، برنا حبيب. الأمر الذي تطلّب تحقيقات أوسع لتثبيت «لبنانية» مكتوم القيد، بدلاً من تسوية الوجود السوري غير الشرعي ومعالجة تبعاته، ولا سيما التشجيع على تسجيل الولادات التي تقع على الأراضي اللبنانية.

من جهتها، تقول مرعب لـ«الأخبار» إن «النازحين السوريين الذين أُهمل قيدهم، لا يمكن أن يُعتبروا مكتومين للقيد، فلديهم قيود في بلادهم»، مشيرةً إلى أنه «عملنا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل تسجيل وقوعات ولاداتهم على الأراضي اللبنانية بقدر الإمكان وتسجيلهم وفق قيود أهلهم السوريين، وقد تمّت معالجة الأمر بقرارات صدرت عن مجلس الوزراء أعفت هذه الولادات من اللجوء إلى القضاء المختصّ في حال تأخر تسجيلهم من قبل ذويهم».

أما عن إمكانية وضع تسهيلات في الإجراءات المطلوبة أمام تسجيل القيد، فتؤكد مرعب أنه «لا يمكن أن يتمّ منح الجنسية أو الهوية اللبنانية إلّا بعد تسجيل قيودهم في سجلّات الأحوال الشخصية عن طريق إثبات أحقيتهم أمام المحاكم الحقوقية المختصة بعد إجراء تحقيقات بهذا الخصوص من قبل المحاكم المعنيّة وإلّا عن طريق منح الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم جمهوري». وهذه الشروط هي التي تفسّر يأس حوالى 50 ألف مكتوم قيد لبناني الأصل، في أن يحصلوا على حقهم في الاعتراف القانوني بوجودهم، وهو ما يفسّر «قلّة عدد من يتابع قيده منهم، لما تحتاج إليه مثل هذه الملفات من مستندات وتحقيقات ومتابعة أمام المحاكم المختصّة»، باعتراف مرعب نفسها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد