أوراق ثقافية

من هنيبعل إلى سعاده ونصرالله... هل وقعوا في الفخ نفسه؟

post-img

يقدّم كتاب «هل وقعوا جميعًا في الفخ نفسه: هنيبعل بارقا، أنطون سعاده، حسن نصرالله» دراسة تاريخية-علمية-سياسية عميقة وشاملة لمسيرة هؤلاء القادة. لا يكتفي الكاتبان، وسام سميا والباحث نضال صافي، بسرد الأحداث التاريخية التي واجهها هؤلاء القادة وقراراتهم الاستراتيجية، بل يذهبان أبعد من ذلك من خلال شرح علمي-تقني لأدوات الإدارة والقيادة المؤسساتية، وكيف أن القيادة الفاعلة تتطلب توافقًا بين المبادئ الراسخة والأوضاع القائمة فعليًا وكيفية تكييف المؤسسات والأشخاص لمواجهة التحديات الراهنة.

ما يميز هذا العمل هو تركيزه على الدروس العملية والعلمية في إدارة المؤسسات وصناعة القائد الناجح. بالإضافة إلى ذلك، يشرح الكتاب بعض المبادئ العلمية التي يمكن تطبيقها في الإدارة المعاصرة، خصوصًا عند مواجهة تحديات داخلية (هشاشة المؤسسات، الانقسامات الداخلية، عدم المرونة، وصعوبة التكيّف) وخارجية (المنافسة القوية، الأعداء، الحفاظ على التحالفات).

يظهر الكتاب كيف يمكن للقائد أن يحافظ على وحدة المؤسسة ويحفز على تجاوز العقبات الداخلية، مع إبقاء المبادئ مرشدا أساسيا للقرارات. ويوضح استراتيجيات التعامل مع الضغوط الخارجية، واستثمار نقاط القوة لمواجهة القوى المنافسة، مع الحفاظ على استمرارية الرؤية والأهداف المؤسساتية، ما يسلط الضوء، وبشكل غير مباشر، على أهمية وضرورة الـSWOT Analysis، لاستمرارية المؤسسات.

من الممكن اعتماد الكتاب دليلًا علميًا لتعليم القيادة وصناعة القائد القادر على مواجهة التحديات المتعددة. ويمكن استخدامه كمرجع في دورات إدارة المؤسسات، تدريب القادة، واستراتيجيات التكيّف مع الأزمات الداخلية والخارجية، مما يجعله مفيدًا لكل من يسعى لفهم العلاقة بين المبادئ الثابتة، القرارات العملية، ونجاح المؤسسات أو الحركات السياسية تحت الضغط.

يحمل الكتاب في نهايته رسالة علمية توضح العلاقة الحتمية بين القيادة والمبادئ والقوة المؤسساتية، كعناصر أساسية للنجاح التاريخي والمستدام، بدلًا من الاعتماد فقط على الرؤية الفردية للقائد. ويتمحور التركيز الأساسي حول فكرة أن النجاح الحقيقي والدائم للقيادة لا يتحدد فقط بالرؤية أو الكاريزما الشخصية للقائد، بل يتوقف بشكل حاسم على قدرته على صهر مبادئه ورؤاه ضمن أُطر مؤسساتية قوية ومَرِنة.

وفقًا للكتاب، الذكاء المؤسساتي (Institutional Intelligence) هو مُحدد حيوي لنجاح القيادة التغييرية، أو التي تريد إعادة تشكيل المجتمع وفقًا لأيديولوجيا معيّنة. ويضيف أن المؤسسات القوية والصلبة هي بمثابة العمود الفقري الذي يوفر الهيكل والموارد اللازمة لتنفيذ الأهداف طويلة الأمد. ولئن يوفّر الالتزام بالمبادئ للقادة بوصلة أخلاقية وأيديولوجية، مما يضمن الوضوح والاتساق في اتخاذ القرار، يحذّر الكتاب من أن التمسك بالمبادئ قد يتحول إلى نقطة ضعف إذا افتقر القائد إلى المرونة اللازمة لتكييف هذه المبادئ مع سياقات متغيرة. النقطة المحورية هي القدرة على ترجمة هذه المبادئ إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ تتماشى مع القدرات المؤسساتية.

ويُبرز الكتاب أهمية المؤسسات التي تُعدّ «منظمات تعلُّم» (Learning Organizations)، وهي مؤسسات تتسم بالتكيّف والترابط. هذه المؤسسات القوية لديها القدرة على تحمل الضغوط والتحديات الخارجية والداخلية، مما يمنح القادة سُبلًا للتنقل في البيئات المعقدة من دون التضحية بمبادئهم. وهذا يضمن استدامة رؤية القائد بما يتجاوز فترة ولايته الشخصية، ويخلق تغييرًا منهجيًا يتخطى القيود الزمنية.

تكمن أهمية الكتاب في تحويل فهمنا للقيادة من التركيز على الفرد إلى التركيز على التناغم الاستراتيجي بين المبادئ الأخلاقية الراسخة والقدرات المؤسساتية المرنة والمبتكرة.

ختامًا: قد يثير الكتاب جدلًا حول وضع القادة وصحة هزيمتهم أو هزيمة مشروعهم، بسبب اختلاف المواقف السياسية للقارئ، لكن من منظور علم الإدارة، يبقى التحليل موضوعيًا ومفيدًا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد