شانتال عاصي (صحيفة الديار)
أزمات لبنان البيئية لا تنتهي، وآخرها ما يهدد ثروتنا البحرية بشكل كارثي: الصيد بالديناميت في البحر اللبناني. يستخدم بعض الصيادين المتفجرات لقتل كميات هائلة من الأسماك بسرعة، لكن هذه الممارسة لا تقتصر أضرارها على المكاسب الفورية فقط، بل تمتد لتشمل تدمير المواطن البحرية الحساسة، فقدان التنوع البيولوجي، وتعريض صحة الإنسان للخطر عند تناول الأسماك المصطادة بهذه الطريقة. إن استمرار هذه الظاهرة يجعل من البحر اللبناني مختبرا للتدهور البيئي والصحي على حد سواء، ويهدد مصادر الغذاء المستدامة لملايين الأشخاص، ما يجعل التحرك الفوري لمواجهة هذه الكارثة أمرا لا غنى عنه.
الاضرار على الثروة السمكية
تتسبب الانفجارات البحرية الناتجة عن الصيد بالديناميت في قتل جماعي وغير انتقائي للأسماك والكائنات البحرية، بما في ذلك الصغيرة التي لم تبلغ سن التكاثر بعد، ما يؤدي إلى تراجع أعداد الأسماك بشكل حاد وإضعاف القدرة الإنتاجية للبحر على المدى الطويل. هذا التراجع لا يقتصر على الأنواع التجارية فحسب، بل يمتد ليشمل الكائنات الدقيقة واللافقاريات البحرية، ما يُخلّ بتوازن الشبكة الغذائية البحرية ويُضعف النظام البيئي بأكمله.
كما يؤدي الصيد بالديناميت إلى تدمير البيئات الطبيعية الحيوية، مثل الشعاب المرجانية والملاجئ البحرية، التي تُعد موطنا أساسيا لأنواع متعددة من الأسماك والقشريات والكائنات البحرية الدقيقة. ومع فقدان هذه المواطن الطبيعية، تتناقص فرص تكاثر الأنواع البحرية، ويصبح التنوع البيولوجي البحري أقل قدرة على الصمود أمام الضغوط البيئية، بما في ذلك التغير المناخي وتلوث المياه.
ويترتب على هذا الانخفاض الحاد في الثروة السمكية تقلص الموارد المخصصة للاستهلاك المحلي وللتصدير، مما يزيد من صعوبة استمرار الصيادين التقليديين في ممارسة مهنتهم بأسلوب مستدام. فبدلاً من تحقيق دخل ثابت وطويل الأمد، يؤدي الصيد بالديناميت إلى نهب الثروة البحرية بشكل سريع وعشوائي، مخلفًا آثارًا اقتصادية وبيئية جسيمة، ويهدد الأمن الغذائي لمجتمعات الساحل اللبناني.
الأضرار الصحية على الإنسان
لا تقتصر أخطار الصيد بالديناميت على تدمير البيئة البحرية والثروة السمكية، بل تمتد لتشمل الإنسان بشكل مباشر، وتشكل تهديدا خطيرا للصحة العامة. فالانفجارات البحرية تؤدي إلى تمزق أنسجة الأسماك وكسر هياكلها الداخلية، ما يجعلها أكثر عرضة لتراكم السموم البيولوجية والكيميائية، بما في ذلك المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص، والمواد الناتجة عن التلوث البحري، إضافة إلى النواتج الكيميائية الناتجة عن التفجير نفسه.
هذا ويشير الباحثون إلى أن تناول هذه الأسماك المصطادة بالديناميت قد يؤدي إلى اضطرابات صحية متعددة، تشمل مشاكل الجهاز الهضمي، والتسمم الغذائي الحاد، واضطرابات الكبد والكلى على المدى الطويل، كما يمكن أن يزيد التعرض المستمر لهذه السموم من احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة ومشكلات في النمو لدى الأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، قد تحتوي الأسماك على جزيئات معدنية دقيقة أو بقايا متفجرات يمكن أن تدخل الجسم البشري، مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري بشكل كامل. ويُشير العلماء إلى أن هذه المخاطر الصحية تتضاعف لدى المجتمعات الساحلية التي تعتمد على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين، حيث يمكن أن تصبح موجات التسمم الغذائية واسعة النطاق نتيجة هذه الممارسات غير القانونية.
التداعيات على البيئة البحرية
تُعد الانفجارات الناتجة عن الصيد بالديناميت كارثة بيئية شاملة تؤثر على كل عناصر النظام البيئي البحري في لبنان. إذ تؤدي هذه الانفجارات إلى إحداث موجات صدمة قوية في الماء، ما يتسبب في قتل أو تهجير الكائنات البحرية الصغيرة مثل الأسماك الصغيرة، القشريات، واللافقاريات البحرية الدقيقة، والتي تلعب دورًا أساسيًا في سلسلة الغذاء البحرية، حيث تشكل الغذاء الرئيس للكائنات الأكبر حجمًا وتساهم في استدامة إنتاجية البحر.
كما يؤدي الصيد بالديناميت إلى تدمير الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية، التي تُعد موائل حيوية للعديد من الأنواع، بما في ذلك أسماك السلور، الجمبري، الأسماك العاشبة، وأنواع الأسماك التجارية الصغيرة مثل البوري والسمك الأبيض، والتي تلعب دورًا أساسيًا في التوازن البيئي وحماية الشواطئ من التعرية. وتدمير هذه المواطن الطبيعية يعني فقدان مكان تكاثر الأسماك، ما يؤدي إلى انخفاض أعدادها على المدى الطويل وضعف التنوع البيولوجي.
إضافة إلى ذلك، تُسبب الانفجارات رفع كميات كبيرة من الرواسب العالقة في الماء، مما يزيد من تعكير المياه ويقلل من قدرة النباتات البحرية على التمثيل الضوئي، وبالتالي يؤثر سلبًا على القدرة الإنتاجية البحرية وكمية الأكسجين الذائب في الماء، الأمر الذي يهدد الحياة البحرية بشكل أوسع.
المناطق الأكثر تلوثًا بالديناميت
تشير التقارير البيئية إلى أن الشواطئ الجنوبية للبنان، خصوصًا في مناطق صور وصيدا، إضافة إلى بعض المناطق الساحلية في جبل لبنان، هي الأكثر تضررًا من الصيد بالديناميت. ويعود هذا التركز إلى عدة عوامل مجتمعة، أبرزها كثافة الصيد غير القانوني، ضعف الرقابة البحرية، ونقص البدائل الاقتصادية المستدامة للصيادين المحليين، ما جعل هذه المناطق بؤرًا بيئية حقيقية تهدد مستقبل الثروة البحرية.
تتميز هذه المناطق بكونها موائل طبيعية للعديد من أنواع الأسماك التجارية المهمة مثل السمك الأبيض، والقريدس، بالإضافة إلى المخلوقات البحرية الدقيقة والقشريات، التي تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التوازن البيئي وسلسلة الغذاء البحرية. وبالتالي، فإن الانفجارات المتكررة تؤدي إلى انخفاض أعداد الأسماك، تدمير الشعاب المرجانية والملاجئ البحرية، وتعكير المياه، ما يقلل بشكل مباشر من القدرة الإنتاجية للبحر ويهدد الاقتصاد المحلي المبني على الصيد التقليدي.
خطوات التصدي
تتطلب مواجهة هذه المشكلة مزيجًا من القانون والتوعية والبدائل الاقتصادية. فمن الناحية القانونية، يجب تعزيز القوانين البحرية وزيادة مراقبة الأنشطة المشبوهة. أما من الناحية البيئية، فيتوجب إنشاء مناطق محمية بحرية وتشجيع الصيد المستدام. ومن الناحية الاقتصادية، ينبغي تقديم بدائل للصيادين تعتمد على تقنيات صيد آمنة ومستدامة، بما يضمن حماية البحر والحفاظ على مصدر رزقهم في الوقت نفسه.