عبد الكافي الصمد (سفير الشمال)
مستعيرًا عنوان رواية الكاتب الفلسطيني الرّاحل إميل حبيبي “المتشائل”، ردّ رئيس مجلس النوّاب نبيه بأنّه “متشائل” على سؤال وُجّه إليه حول إذا ما كان متفائلًا بتطوّر الأوضاع في لبنان في المرحلة المقبلة نحو الأفضل، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وبما يتعلق بإجراء الانتخابات النيابيّة المرتقبة في موعدها خلال شهر أيّار المقبل.
كلام برّي جاء بعدما تبلّغ لبنان من الموفد الأميركي توم برّاك رفض "إسرائيل" مقترحًا يقضي بإطلاق مسار تفاوضي حول ترسيم الحدود بين لبنان و"إسرائيل"، في مقابل وقف أعمالها العدائية تجاه لبنان لمدّة شهرين، والانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الجنوب، ما دفع رئيس المجلس إلى الإعلان عن “تراجع لبنان عن أيّ مسار للتفاوض” مع "إسرائيل"، والإبقاء فقط على الآلية المتّبعة حاليًّا عبر لجنة الإشراف على تنفيذ قرار وقف إطلاق النّار الذي تمّ التوصل إليه في شهر تشرين الثاني العام الماضي، والمسماة اختصارًا بـ”الميكانيزم”.
إبلاغ برّاك لبنان بالردّ "الإسرائيلي" الرافض للمقترح، تزامن مع “مطالعة” طويلة نشرها الموفد الأميركي على منصة “x” تضمّنت مواقف تصعيدية غير مسبوقة وغير معهودة ممّن يُفترض أنّه وسيط ومحايد، واحتوت على تهديدات وتحذيرات من عواقب وخيمة، ومواقف استفزازية عالية السقف، وبعيدة عن اللياقة الديبلوماسية، إذا لم يتجاوب لبنان مع مطلب "إسرائيل" نزع سلاح حزب الله، ناعيًا في الوقت نفسه اتفاق وقف إطلاق النّار ومعلنًا فشله، وفاتحًا الباب واسعًا أمام أسئلة بقيت بلا أجوبة عليها، وأمام سيناريوهات قاتمة.
تهديد برّاك حزب الله ولبنان بأنّه في حال لم يُسلّم الحزب سلاحه فإنّ "إسرائيل" “قد تتصرف من جانبها، وأنّ العواقب ستكون وخيمة”، ترافق مع مواقف غير لائقة تجاه الحكومة والجيش اللبناني أطلقها برّاك تعكس النظرة الأميركية المتعالية تجاه الآخرين، خصوصًا الذين لا يرضخون لمطالبها، لما وصف الحكومة بأنّها “بلا سيطرة” والجيش بأنّه “بلا سلطة”، ومتوعداَ لبنان “بالغرق في الشلل والتدهور إذا لم يحسم خياره”.
لكنّ النقطة الأهم في مطالعة برّاك كانت في “أمر العمليات” الذي أعطاه لحلفاء واشنطن في لبنان، وبالطبع خصوم حزب الله وحلفائه، بتحضير أنفسهم لمواجهته في الانتخابات المقبلة، لما قال بأنّ حزب الله “سيواجه عزلة محتملة مع اقتراب الانتخابات، وستكشف وضعه الضعيف”، ما سيدفع الحزب، وفق قوله، إلى طلب تأجيل الانتخابات “لإعادة بناء قوته العسكرية وتنظيمه السياسي”، كما ذهب برّاك إلى التحذير من أنّ التأجيل “سيؤدي إلى فوضى كبيرة في لبنان، وتوتّر مُسلّح وانهيار اقتصادي يشبه انتفاضة عام 2019”.
أمر العمليات هذا التقطه سريعًا رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع، إذ لم تمض ساعات على تغريدة برّاك حتّى نشب سجال بدأه جعجع مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي حول قانون الانتخابات المرتقب وآلية العمل داخل مجلس النوّاب، بموازاة دعوته المغتربين إلى الإسراع لتسجيل أسمائهم للانتخابات المقبلة بكثافة، سواء باقتراعهم من خارج لبنان إذا عُدّل القانون كما حصل في انتخابات 2022، أو المجيء إلى لبنان والاقتراع فيه كما حصل في انتخابات 2018، لأنّ الانتخابات برأيه “حاصلة في موعدها”.