اوراق مختارة

الفضيحة البيئية في عمشيت: بلدية تتقاعس ومتعهّد يعتدي… فأين الدولة؟

post-img

صحيفة الديار

في مشهدٍ يُثير الاستغراب والغضب في آنٍ واحد، حضر رئيس بلديّة عمشيت الدكتور جوزيف خوري إلى موقع الورشة المقامة فوق مغارة الفقمة، بعد الجدل الواسع الذي أثارته الأعمال الإنشائية الجارية في المنطقة، محاولاً تبرير عدم اتخاذه قراراً بوقف الأشغال رغم طلب وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين في كتابٍ رسمي موجّه إلى البلديّة.

إلّا أنّ رئيس جمعيّة الأرض لبنان، الأستاذ بول أبي راشد، تولّى أمام الحاضرين من القوى الأمنيّة ومحامي المتعهّد قراءة كتاب وزارة البيئة وشرحه بوضوح، مؤكّداً أن الوزارة طالبت بوقف الأشغال فوراً ريثما يُستكمل تقييم الأثر البيئي للمشروع، وذلك حمايةً للمغارة الفريدة وما تحتويه من نظام بيئي نادر.

بلدية تتذرّع... وبيئة تُستباح

رئيس البلديّة، وبحسب شهودٍ في المكان، رفض اتخاذ القرار اللازم بذريعة أنّ كتاب الوزارة «يتمنّى» وقف الأعمال ولم «يفرضه»، مدّعياً أنّ البلديّة تخشى مطالبتها بتعويضات ماليّة من قبل المتعهّد في حال إصدار القرار.

لكنّ المادة الرابعة من قانون البناء رقم ٦٤٦/٢٠٠٤ واضحة، إذ تمنح رئيس البلدية حق سحب رخصة البناء في حال تبيّن وجود مخالفات أو أخطاء بعد منحها، من دون أيّ موجب لتعويض المخالفين. أي أنّ الحجّة القانونية التي استند إليها رئيس البلدية واهية ولا تصمد أمام القانون.

تعدٍّ على ناشطين… فوق مغارة وطنية

وما إن انسحب رئيس البلدية من الموقع، حتى شهدت المنطقة حادثة مؤسفة، إذ أقدم محامي المتعهّد المهندس ناصيف غاريوس، الأستاذ غابي جرمانوس، على التعدّي على ناشطة بيئية كانت توثّق النقاش الجاري، فانتزع هاتفها بالقوّة وانهال عليها وعلى الناشط سعيد فاضل بالتدافع والشتم، قبل أن تتدخّل القوى الأمنيّة وتعيد الهدوء.

وفي تطوّرٍ غير مقبول، استُدعي الناشطون إلى المخفر للتحقيق، فيما لم يُستدع المعتدي نفسه، ما أثار استغراب الأوساط الحقوقية والبيئية.

تضارب مصالح صارخ

اللافت أنّ متعهّد المشروع هو شقيق رئيسة لجنة البيئة في بلدية عمشيت، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول تضارب المصالح والشفافية في إدارة هذا الملفّ الحساس، خصوصاً أنّ الورشة تُقام فوق موقعٍ مصنّف بيئياً من بين الكنوز الطبيعية الساحلية في لبنان، ويُعتقد أنّه يمتدّ إلى عمق البحر ويأوي كائنات نادرة من فقمات البحر الأبيض المتوسط.

وزارة البيئة تدقّ ناقوس الخطر

وزارة البيئة كانت قد وجّهت، في 20 تشرين الأول 2025، كتاباً رسمياً إلى جانب رئيس محكمة التمييز الجزائيّة القاضي جمال الحجّار، طالبت فيه بوقف كل الأعمال الجارية على العقار رقم 345 في عمشيت إلى حين الانتهاء من دراسة تقييم الأثر البيئي وبتّ نتائجها، كما وجّهت الكتاب إلى وزارات الأشغال والثقافة ومحافظة جبل لبنان وبلدية عمشيت لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

ورغم وضوح القرار، لم تُنفّذ البلديّة بعد أيّ إجراء فعلي لوقف الأشغال، في تجاهلٍ مريب لواجباتها القانونية والبيئية.

إنّ ما يحصل فوق مغارة الفقمة في عمشيت ليس مجرّد ورشة بناء، بل اعتداء على ذاكرة الطبيعة اللبنانية وجزءٍ من إرثها الساحلي الذي لا يُقدّر بثمن. ما يجعل التحرّك القضائي والإداري مطلباً ملحّاً، إذ يُنتظر من القاضي جمال الحجّار والوزارات المعنيّة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرار وزيرة البيئة بحزم، بما يحفظ الموقع من أي ضرر إضافي. كما يُتوقّع أن تواكب الأوساط الإعلامية والبيئية حملة "Save Our Seals" تسليطاً للضوء على ما يجري، حمايةً لذاكرة لبنان البحرية قبل أن يطويها الإسمنت. 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد