صحيفة الأخبار
بعد أسبوعين على إصداره تعميماً فوضوياً استند إلى اجتهاد شخصي محاباةً للأميركيين، «تراجع» وزير العدل عادل نصّار خطوة إلى الوراء، لـ«تشريع» وليس تصحيح التعميم - الفضيحة الذي يُلزِم الكُتّاب العدل باعتماد إجراءات جديدة لمكافحة تبييض الأموال، تشمل التحقّق من هوية الأطراف ومراجعة قوائم العقوبات الدولية والإبلاغ عن المعاملات المشبوهة.
ولإضفاء طابع قانوني على التعميم، أحال نصّار إلى مجلس الوزراء مشروع قانون لتعديل قانون تنظيم مهنة الكُتّاب العدل (القانون 337/1994)، وأصدر تعميماً توضيحياً (الرقم 1438) لشرح بعض النقاط.
وفيما لفتت مصادر دستورية إلى أن مشروع تعديل رسوم الكُتّاب العدل ليس من صلاحية وزير العدل، بل من صلاحية وزير المالية، لأن الأرقام الضريبية والرسوم لا تُقرّ إلا بالموازنة، وليس خارجها، استبعدت مصادر وزارية مرور المشروع في مجلس الوزراء اليوم، ورجّحت حصول «جدل كبير حوله لعلم الجميع أن الفئة المُستهدفة من هذا التعميم هي طائفة بعينها، وأن التعديل الذي أجراه الوزير ليس سوى محاولة التفاف على المخالفة، ولا يلغي حقيقة إصراره على تقديم أوراق اعتماده للأميركيين».
وضمّن وزير العدل مشروع القانون أحكام التعميم الأول الرقم 1355 نفسها، ما يُعدّ إقراراً صريحاً بعدم قانونيته، إذ لو كانت هذه الموجبات من ضمن صلاحياته، لما احتاج إلى تعديل تشريعي لاحق. وهذا دليل قاطع على أن الوزير تجاوز حدود سلطته، وأصدر تعميماً لا سند له في التشريع اللبناني، مخالفاً مبدأَيْ تدرّج القواعد القانونية والشرعية الإدارية. كذلك يؤكّد مشروع القانون أن النص الأصلي افتقر إلى الشرعية. وهو، حتى بعد التعديل، يبقى عرضةً للطعن لمخالفته المبادئ الدستورية التي تحصر سلطة تقييد الحقوق بالقانون وحده.
ورغم أن التعميم التوضيحي الرقم 1348 حاول أن يضبط نطاق التطبيق عبر حصره بالمعاملات المُحدّدة في قانون مكافحة تبييض الأموال، مستبعداً المعاملات الانتخابية والقضائية. لكنه في جوهره لم يُلغِ المخالفة الأصلية، إذ أبقى على واجب الكاتب العدل التحقق من القوائم الأجنبية، مانحاً تلك اللوائح مفاعيل قانونية مباشرة في لبنان. وباختصار، فإن التعميم التوضيحي لم يصحّح المسار بل شرعن التجاوز.
والأخطر في هذا السياق هو منح قرارات ذات طابع إداري أو سياسي أجنبي - كالعقوبات الصادرة عن دول أخرى أو عن مجالس غير قضائية - قوةً مانعة للمعاملات القانونية. فحتى الأحكام القضائية الأجنبية لا تُنفَّذ في لبنان إلا وفقاً للمادة 29 من قانون العقوبات التي تشترط مطابقتها للتشريعات اللبنانية وصدورها عن جهة قضائية، وتخضع لتقدير القاضي اللبناني في الشكل والأساس. فكيف يُعترف لمقرّرات سياسية أو مالية أجنبية بمفاعيل قانونية مباشرة تخالف النص الصريح؟
إضافة إلى ذلك، فإن لبنان وفق المادة 34 من قانون العقوبات، يرفض الاسترداد في الجرائم ذات الطابع السياسي أو إذا كانت العقوبة الأجنبية مخالِفة للنظام العام. وبالتالي، فإن الاعتراف بقرارات أو عقوبات سياسية أجنبية - عبر ما يُسمى «اللائحة الوطنية» أو اللوائح الأممية - يشكّل تناقضاً مع السياسة التشريعية اللبنانية ومع مبدأ السيادة القانونية.
ولا تكمن خطورة التعميم فقط في مخالفته الشكلية للقانون، بل في نتائجه التي تحوّل الكُتّاب العدل إلى ضابطة عدلية لمصلحة الخزانة الأميركية أو أي جهة أجنبية تدرج أسماء لبنانيين على قوائمها. بذلك، يُهدِر الوزير ليس سيادة الدولة فحسب، بل أيضاً الحقوق الطبيعية للأفراد، وأبرزها الحق في الملكية والحق في التصرّف، اللذان لا يجوز تقييدهما إلا بنص تشريعي صريح وبحكم قضائي مُبرم.