ندى عبد الرازق (صحيفة الديار)
تشهد المدارس في لبنان تحديات جديدة تهدد الاستقرار الاجتماعي والتربوي، حيث أصبحت القضايا الصحية المرتبطة بها، محور اهتمام واسع بين الأهالي والهيئات التعليمية. لذلك، يطرح هذا الوضع تساؤلات جدية حول جاهزية هذا القطاع لمواجهة أي أزمة مفاجئة، سواء على صعيد الوقاية أو التوعية والإجراءات التنظيمية. كما يكشف عن ثُغر في آليات التواصل والإعلام الرسمي، ما يزيد من احتمالية انتشار الذعر بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور.
في هذا السياق، يصبح من الضروري تحليل الاستجابة المؤسسية ومدى فاعليتها، وفهم تأثير هذه الأزمات في البيئة التعليمية وسير العملية التربوية، لضمان اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة، تقلل المخاطر وتحافظ على سلامة الطلاب والعاملين في المدارس.
"الصفيرة" في مدارس حلبا؟
بناء على ما تقدم، انتشر في الساعات القليلة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي، خبر عن تفشي "الصفيرة" في احدى مدارس حلبا في شمال لبنان، ما أثار حالة من القلق بين الأهالي والمجتمع المحلي. من هنا، تابعت "الديار" الموضوع عن كثب لتقصّي حقيقة الخبر، حيث كشفت مصادر عديدة من المواطنين أن الخبر يحمل قدرا كبيرا من الصحة، اذ فقد تلميذان حياتهما، إلى جانب عشرات الإصابات بين الطلاب.
في المقابل، يقول أحد التربويين لـ "الديار": "المعلومات صحيحة جزئيا، لكن لا يمكنني الحسم بشكل كامل، خصوصا في ظل غياب أي بيان رسمي من وزارة التربية. لذلك يفتح هذا الصمت الحكومي باب التساؤل عن جدوى التوعية والوقاية، إذ إن الجهات الرسمية مسؤولة عن إعلام المدارس وأولياء الأمور بالإجراءات الطبية اللازمة، لمنع تفشي الصفيرة والسيطرة على انتشارها".
يضيف: "توجد علامات استفهام كثيرة في ما يتعلق بسياسة التواصل والتوعية الصحية، فحتى وإن كان الخبر مبالغا فيه في بعض تفاصيله، كان من الواجب على الوزارة تقديم إرشادات واضحة حول كيفية الوقاية، علامات الإصابة، والإجراءات الواجب اتباعها داخل المدارس. غياب هذه المعلومات يترك الطلاب والأهالي في مواجهة خطر محتمل، دون أدوات كافية لحمايتهم".
ما هو اليرقان؟
على المستوى الطبي، توضح مصادر طبية في مستشفى الرسول الأعظم لـ "الديار": "ان اليرقان يُعرَّف بأنه اضطراب ينجم عنه ارتفاع مستوى مادة البيليروبين في الدم، وهي صبغة صفراء مائلة إلى البرتقالي، تنتج من تحلل الهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء، وتُفرز لاحقا مع العصارة الصفراوية. يؤدي تراكمها إلى اصفرار الجلد وبياض العينين والأغشية المخاطية. كما تتنوع أسباب اليرقان وتشمل التهاب الكبد وحصوات المرارة والأورام. ويُعرف اليرقان أيضا باسم "بوصفير"، وهو تغير لون البشرة وبياض العينين وسوائل الجسم إلى اللون الأصفر".
وتضيف المصادر: "رغم أن اليرقان ليس داءً بحد ذاته، فإنه يُعد إشارة إلى وجود خلل صحي قد يكون خطرا في بعض الحالات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمشكلات في الكبد أو المرارة أو البنكرياس. وفي حالات نادرة، قد يرتبط اليرقان باضطرابات في الدم. ويوصى كل من يلاحظ على نفسه أو على أحد أفراد أسرته علامات الاصفرار، بمراجعة الطبيب فورا لإجراء الفحوص اللازمة وتحديد السبب بدقة".
الاعراض
وتؤكد المصادر: "اليرقان قد يمر أحيانا دون أن يلاحظه المريض، لا سيما في مراحله المبكرة أو عندما يكون ناجما عن اضطراب خفيف. تختلف شدة الأعراض باختلاف السبب الكامن وسرعة تطور الحالة. في الحالات القصيرة الأمد أو الناتجة من عدوى فيروسية، مثل التهاب الكبد، قد تظهر علامات واضحة تشمل ارتفاع درجة الحرارة (الحمى)، قشعريرة، ألم في الجزء العلوي من البطن، أعراض تشبه الإنفلونزا مثل التعب وآلام العضلات، اصفرار الجلد وبياض العينين، إلى جانب بول غامق وبراز فاتح أو طيني اللون".
وتضيف المصادر: "إذا لم تكن العدوى السبب، فقد تترافق الأعراض مع فقدان الوزن غير المبرر، حكة شديدة في الجلد نتيجة تراكم الأملاح الصفراوية، وألم البطن، ويعد هذا الأخير الأكثر شيوعا عند وجود ورم في البنكرياس أو انسداد القنوات الصفراوية. أما في حال كان اليرقان بسبب أمراض كبدية مزمنة، فقد يظهر مع التهاب الكبد الحاد أو المزمن (A، B، أو C)، التهاب المفاصل المتعدد، أو تقرحات جلدية التهابية نادرة (Pyoderma gangrenosum) لدى بعض مرضى الالتهاب الكبدي المناعي".
وتقول المصادر: "تظل ملاحظة أي تغير في لون الجلد والعينين أو البول، مؤشرا مهما يستدعي التقييم الطبي الفوري، إذ إن الكشف المبكر عن السبب الكامن وراء اليرقان، يشكل خطوة أساسية لضمان العلاج الفعّال ومنع المضاعفات".
متى يجب رؤية الطبيب في هذه الحالة؟ تجيب المصادر: "لتحديد السبب الكامن وراء اليرقان، يُنصح عادةً بزيارة اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي. إذا ظهرت أي من الأعراض السابقة، أو تغيّر لون الصلبة إلى الأصفر، يجب الاتصال بالطبيب فورا. وعند البالغين قد يشير ظهور اليرقان إلى حالة طبية خطرة، وقد يؤدي تجاهل هذه الأعراض إلى تفاقم الحالة وزيادة المضاعفات الصحية، ما يجعل التشخيص المبكر والمتابعة الطبية أمرا حيويا للعلاج الفعّال".
الأسباب
وتقول المصادر الطبية: "يرتبط اليرقان غالبا بمشكلات في الكبد، المرارة أو البنكرياس. يحدث هذا الاضطراب عندما يتراكم البيليروبين في الجسم بشكل غير طبيعي، نتيجة أحد الأسباب الاتية:
- زيادة تحلل خلايا الدم الحمراء في الكبد، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات البيليروبين.
- تضرر الكبد أو إرهاقه، مما يقلل قدرته على معالجة البيليروبين بفعالية.
- عدم قدرة البيليروبين على الدخول إلى الجهاز الهضمي بطريقة طبيعية، مثلما يحدث عند انسداد القنوات الصفراوية".
الحالات التي قد تؤدي إلى اليرقان
وتتابع المصادر: "يمكن أن ينشأ اليرقان نتيجة عدة حالات تؤثر في الكبد أو القنوات الصفراوية أو الدم، أبرزها التهاب الكبد الفيروسي بأنواعه A، B، C، D، وE، الذي يهاجم الكبد ويعيق قدرته على معالجة البيليروبين. كما يمكن أن تؤدي الأدوية والسموم، مثل الجرعات الزائدة من الأسيتامينوفين أو التعرض للفطر السام، إلى اضطراب وظائف الكبد وتراكم البيليروبين. وتشمل الأسباب الأخرى الأمراض أو العيوب الخلقية التي تصعّب على الجسم تحليل البيليروبين، مثل متلازمة جيلبرت، متلازمة دوبين- جونسون، متلازمة روتور، ومتلازمة كريجلر- ناجار".
وتشير المصادر الى انه "يمكن أن يسهم تضرر الكبد المزمن أو أمراض المرارة وحصواتها التي تسد القنوات الصفراوية، في ظهور اليرقان، بالإضافة إلى اضطرابات الدم التي تزيد من تحلل كريات الدم الحمراء، وسرطان البنكرياس الذي قد يعيق تدفق الصفراء. كما يمكن أن يؤدي تراكم الصفراء أثناء الحمل إلى اصفرار الجلد والعينين بشكل مؤقت".
عوامل الخطر... التشخيص... والعلاج
وتشير المصادر الطبية في الختام الى : "أن عوامل الخطر لليرقان تشبه تلك المرتبطة بمشكلات الكبد والمرارة، وتشمل الإفراط في تناول الكحول، استخدام المخدرات غير القانونية، تناول أدوية قد تضر الكبد، التعرض لفيروسات التهاب الكبد A أو B أو C، والتعرض لبعض المواد الكيميائية الصناعية. وعند تشخيص اليرقان، يبحث الأطباء عن مؤشرات لمشكلات الكبد، مثل كدمات الجلد، الأوعية الدموية العنكبوتية، واحمرار راحة اليد وأطراف الأصابع، ويُستخدم اختبار البول للكشف عن البيليروبين، مع إجراء اختبارات الدم لتأكيد النتائج، بما في ذلك عد الدم الكامل ومستويات البيليروبين. كما يقوم الطبيب بتقييم حجم الكبد وحساسيته، وقد تُستخدم تقنيات التصوير أو خزعة الكبد لتأكيد التشخيص بدقة".
أما العلاج، فتؤكد المصادر انه "لا يوجد دواء يعالج اليرقان مباشرة، إذ يتركز على معالجة السبب الكامن، مع إمكان استخدام دواء كوليستيرامين لتخفيف الحكة الناتجة من تراكم البيليروبين، إلى جانب التدخل الطبي لمعالجة السبب الأساسي، سواء كان التهاب الكبد، انسداد القنوات الصفراوية أو أي اضطراب آخر".