غسان ريفي (سفير الشمال)
يبدو أن تصريحات المبعوث الأميركي توم برّاك تجاه لبنان، وتهديداته وانتقاداته وتهويله بتجدد الحرب "الإسرائيلية"، تشكّل ما يشبه “الأوكسجين” الذي يساهم في إعادة تنشيط مسؤولين وتيارات سياسية في الترويج لوجهة النظر الأميركية الداعمة ل"إسرائيل"، وفي تصعيد المواقف السياسية وصولًا إلى تبني سردية أنه “في حال لم تستطع الحكومة اللبنانية سحب سلاح المقاومة فإن العدوّ الصهيوني سيتولى هذه المهمّة”، وفي ذلك إساءة غير مسبوقة لمجلس الوزراء الذي يُفترض به أن يتصدّى للمخاطر "الإسرائيلية"، لا أن يقف عاجزا أو صامتا حيال ما يشهده الجنوب من اعتداءات ومن تدمير للبنى الاقتصادية والتجارية.
وما يزيد الطين بلة في هذا الإطار، هو أن برّاك يشدد في تصريحاته على “ضرورة أن يستعيد لبنان سيادته من خلال سحب سلاح المقاومة”، متجاوزا بذلك الاحتلال "الإسرائيلي" للنقاط الخمس وتوسعه باتّجاه نقاط سادسة وسابعة وربما قريبًا ثامنة، وكأن المبعوث الأميركي يعمل على تشريع هذا الاحتلال بالضغط على السلطة السياسية، تلبية لرغبات "إسرائيل" التي تريد مفاوضات مباشرة مع لبنان تحصل من خلالها على المنطقة العازلة عند الحدود الجنوبية، وتبقيها في النقاط الخمس التي تحتلها بحجة فرض الرقابة على كامل الشريط الحدودي، ما يعني أن "الإسرائيلي" وبدعم أميركي واضح يسعى إلى دفع لبنان نحو الاستسلام الكامل، وتقديم التنازلات لإعطاء العدوّ الغاصب في المفاوضات ما لم يستطع الحصول عليه في الحرب بفعل صمود المقاومة.
واللافت، أن الأجواء الإيجابية التي أحاطت بلقاء الرئيسين جوزيف عون ونبيه بري في قصر بعبدا، والتوافق على رفض التفاوض المباشر والتمسك بالأولويات التي يتضمنها القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، خرقها تصريح رئيس الحكومة نواف سلام إلى مجلة “باري ماتش” والذي ذكر فيه أن التفاوض مع العدوّ "الإسرائيلي" ليس سابقة وأنه حصل قبل فترة حول ترسيم الحدود، فضلًا عن رفعه السقف السياسي بوجه حزب الله بدعوته لأن يتحول إلى حزب سياسي.
وتعلق مصادر سياسية مواكبة بالقول: “إن حزبا يمتلك 15 نائبا في مجلس النواب ولديه أكثر من ضعفيّ هذا العدد من الحلفاء وممثل بوزيرين في الحكومة، كيف لا يكون حزبا سياسيًّا”، متسائلة: “ماذا يريد نواف سلام من هذا الموقف؟، ولماذا اختار هذا التوقيت بالذات؟، ولمصلحة من يطلق هذا الكلام؟”.
وترى المصادر نفسها، أن سلام بات أسير الحلقة المحيطة به من المستشارين الذين يطالبون بكسر التابوهات مع ال"إسرائيلي"، ويتبنوّن فكرة التفاوض المباشر مع العدو، ويضربون معنويات الجيش اللبناني، ويروّجون لهزيمة المقاومة، ويعملون على التخفيف من وطأة التنازلات المطلوبة من لبنان، ويتطوعون لتفسير تغريدات توم برّاك.
وتؤكد هذه المصادر أن تغريدات توم براك لا تعدو كونها ظواهر صوتية، خصوصًا أنه فشل حتّى الآن في الملف السوري، وفشل أيضًا في الملف اللبناني بعدما سقطت ورقته بفعل رفض "الإسرائيلي" لكل مقترحاته، وبدل أن يوجه انتقاداته إلى "إسرائيل"، استعار اللسان الصهيوني في تهديد لبنان بالويل والثبور وعظائم الأمور.
في غضون ذلك، تشير المعلومات إلى أن الحرب "الإسرائيلية" ما تزال مستبعدة لأسباب عدة، وأن الضغوط التي تمارس قد تترجم بتصعيد الاعتداءات، أما المفاوضات حول تطبيق القرار 1701، فلن تكون قبل التزام العدوّ باتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، وأن الأمور ستبقى محصورة في لجنة “الميكانيزم” التي يفترض أن تنشط وتُفعّل في أكثر من اتّجاه لضمان “وقف الأعمال العدائية”.