اوراق خاصة

الزيتون الجنوبي بين نيران الحرب وعبق الصمود

post-img

محمد باقر ياسين/ خاص موقع "أوراق"

يحلّ موسم الزيتون هذا العام مثقلاً بذكريات الحرب، لكنه يحمل في الوقت نفسه نَفَس الصمود المتجذّر في أرض الجنوب. فبعد أكثر من خمسين عامًا من الغرس والعطاء، يواصل مزارعو الجنوب اللبناني تمسّكهم بشجرتهم المباركة رغم ما لحق بها من أضرار بفعل القصف والأسلحة السامة. ورغم تراجع الإنتاج بنسبة تفوق 70%، لا يزال الزيت في الجنوب يُعدّ رمزًا للحياة والكرامة، وزيتونة الجنوب تبقى شاهدة على إرادةٍ لا تنكسر وأرضٍ لا تموت.

الجنوب... نفطٌ أخضر في موسمٍ تحدّي

مع بدايات تشرين الأول، تعجّ الحقول بالحياة كما عهدها الأهالي، فالزيت هنا "البترول الجنوبي الأخضر"، مورد أساسي يختصر تعب السنة كلها. لكن هذا الموسم جاء مخيّبًا للآمال: شحّ في الإنتاج، وتراجع في الجودة، وارتفاع في الأسعار وصل إلى أكثر من 200 دولار لتنكة الزيت الواحدة. المزارعون يحمّلون الحرب وندرة الأمطار وانعدام العناية بالأشجار مسؤولية التراجع، لكن عزيمتهم لم تخب.

أرض لوّثها العدو وخسائر كبيرة

يقول المزارع حسين الملاط من بلدة عيترون إن أراضيه تضررت بشدة من القنابل العنقودية التي خلفت ألغامًا ومخلفات حالت دون الوصول إلى الحقول، مضيفًا: "خسرت أكثر من خمسة دونمات ومحاصيل قيمتها عشرة آلاف دولار، والزيتون الذي لم يُدمَّر تأثر بالمواد السامة وبفقدان خصوبة التربة."

ويؤكد المجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS) أنّ استخدام الفوسفور الأبيض أدّى إلى احتراق آلاف الدونمات، مقدّرًا الخسائر البيئية المباشرة بأكثر من 214 مليون دولار.

نساء الجنوب... حكايات الصبر والعودة

رغم الألم، لا تغيب عن الجنوب صور النساء اللواتي عدن إلى الكروم بأيديهن المتعبة وقلوبهن العامرة بالأمل. تقول زينب قوصان، صاحبة أرض زيتون في بلدة حدودة: "كرمي فيه 46 زيتونة، لكن ليست كلها مثمرة هذا العام. نحمد الله أننا عدنا إلى أرضنا بفضل دماء الشهداء."

هي شهادة تختصر حكاية المزارعين الذين يرون في كل غصن زيتون بقاءهم وصمودهم، رغم الحرائق والقصف والجرف.

قطاف تحت الحراسة

في ظل التنسيق بين الجيش اللبناني واليونيفيل, عاد الأهالي في بلدات يارون وعيترون وبليدا إلى تفقد حقولهم في المناطق الحدودية، بمواكبة دوريات مشتركة لضمان سلامتهم.

غير أن هذا التنسيق يثير قلقًا وطنيًا، إذ يرى البعض أنه تكريس لواقع "المنطقة العازلة" التي يسعى الاحتلال لفرضها. يقول المزارع يوسف علوية: "لا نريد إذنًا من العدو لنحرث أرضنا، هذه أرضنا وسنبقى فيها متى شئنا."

وفي خضمّ هذه المشاهد، ألقت مسيرة إسرائيلية قنبلة على منطقة أبو مناديل في بلدة بليدا أثناء عمل الأهالي في الحقول، من دون تسجيل إصابات — حادثة تختصر هشاشة الأمن واستمرار الخطر في موسمٍ يفترض أن يكون للخير لا للخوف.

زيت الأرض لا ينطفئ

رغم الدمار، يرفض الجنوبيون رفع أغصانهم إلا إلى السماء شكرًا وإصرارًا. فشجرة الزيتون التي صمدت في وجه النار والجرافات ستورق من جديد، لتقول إن الأرض لا تموت ما دام فيها من يحبّها ويصونها.

في الجنوب، الزيت لم يعد فقط نفطًا أخضر، بل دمًا يجري في عروق الناس، وشاهدًا على صمودٍ لا يلين وأملٍ لا يُطفأ مهما اشتدّ لهيب الحرب.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد