تحت عنوان "الإبادة ليست وجهة نظر"، أطلق أكثر من 300 كاتب ومثقف وشخصية عامة منضد العالم، بينهم نحو 150 من الكتّاب السابقين في "نيويورك تايمز"، بيانًا جماعيًا أعلنوا فيه مقاطعتهم قسم الرأي في الصحيفة الأميركية إلى حين تحقيق ثلاثة مطالب محددة تتعلق بتغطيتها المنحازة لحرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة.
البيان وقّعه كتّاب بارزون مثل سالي روني وروبي كاور وريما حسن ورشيدة طليب وغريتا ثونبرغ وإيليا سليمان ومريم البرغوثي ومحمد الكرد ونورا عريقات وغابور ماتي ومنى شلبي. وجاء في إطار حملة مفتوحة دعت إليها منظمات تضامنية مع فلسطين، أبرزها "كتّاب ضد الحرب على غزة" (WAWOG) والحركة النسوية الفلسطينية وحركة الشباب الفلسطيني، إلى جانب الاشتراكيين الديمقراطيين في الولايات المتحدة.
وصف البيان رفض الكتّاب التعاون مع قسم الرأي في "نيويورك تايمز" بأنه خطوة ضرورية لـ"نزع الشرعية عن الصحيفة باعتبارها صحيفة مرجعية في الولايات المتحدة"، في ظلّ "تواطؤها البنيوي في التغطية الإعلامية التي تبرّر وتُسوّغ الإبادة في غزة". استشهد البيان بكلمات الصحافي الفلسطيني حسام شبات الذي استشهد بغارة إسرائيلية في 24 مارس/ آذار الماضي، قائلًا: "اللغة تجعل الإبادة ممكنة ومبرّرة. أحد أسباب استمرار قصفنا بعد أكثر من 240 يومًا، صحيفة نيويورك تايمز ومعظم الإعلام الغربي".
رأى الموقّعون أنّ الدور الذي لعبته الصحيفة في الحرب على غزة لا يقلّ خطورة عن دور الشركات المنتجة للسلاح، لأن الإعلام جزء من "آلة الحرب التي تؤمن الحصانة للقتلة وتُغذّي الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين".
اتهام صحيفة نيويورك تايمز بـ"التحيّز المؤسسي" والتواطؤ
اتهم البيان صحيفة نيويورك تايمز بـ"نشر الأكاذيب الصريحة الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين"، و"تعديل أو إخفاء تغطيات بناءً على ضغوط من القنصلية الإسرائيلية وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة". وأشار إلى أن إدارة التحرير في الصحيفة "وجّهت مراسليها بتجنّب استخدام كلمات مثل مجزرة وتطهير عرقي وأراضٍ محتلة"، وأنّ "التحيّز ضد العرب والمسلمين يتسرّب إلى سياسات التوظيف"، إذ "تُطرد الأصوات العربية والمسلمة من غرف التحرير أو تتعرض لملاحقات عنصرية منظمة". وأضاف البيان أنّه في الوقت الذي تُعامل فيه مزاعم المسؤولين الإسرائيليين كحقائق، تُخفَّض جرائم الحرب في غزة إلى "مجرد وجهة نظر" في قسم الرأي.
"الحديث بين السيف والرقبة"
أكد الكتّاب الموقعون أنهم يرفضون المشاركة في ما وصفوه بـ"دعوة نيويورك تايمز إلى مائدة حوار زائفة"، في إشارة إلى طريقة إدارة قسم الرأي الذي تصفه الصحيفة بأنه مساحة لـ"النقاش المفتوح والمتنوع"، ووصفوه بأنه كـ"الحديث بين السيف والرقبة" استشهادًا بالأديب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1972. وأضافوا: "لا شيء يُغري في فكرة الجلوس بهدوء إلى طاولة واحدة مع كتّاب مثل بريت ستيفنز أو توماس فريدمان لمناقشة معنى الإبادة، بينما الجنود الإسرائيليون يقتلون الأطفال الجائعين في طوابير المساعدات ويغتالون الصحافيين في خيامهم".
المطالب الثلاثة
اشترط الكتّاب والمثقفون المشاركون في المقاطعة تحقيق ثلاثة مطالب أساسية قبل استئناف أي تعاون مع قسم الرأي في "نيويورك تايمز":
إجراء مراجعة شاملة لتحيّز الصحيفة ضد الفلسطينيين، ووضع معايير تحريرية جديدة لتغطية قضايا فلسطين، تشمل تعديل دليل المصطلحات وأساليب الاستشهاد والتوظيف، ومنع الصحافيين الذين خدموا في جيش الاحتلال من تغطية الحروب الإسرائيلية.
سحب تحقيق Screams Without Words (صرخات بلا كلمات) الذي نشرته الصحيفة في ديسمبر/ كانون الأول 2023، وتبنّى روايات إسرائيلية حول مزاعم كاذبة بحصول "اعتداءات جنسية" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأكد البيان أن التحقيق "فشل في التزام معايير التحقق الصحافية، واستند إلى مصادر غير موثوقة وباحثة معروفة بتصريحات تحريضية ضد الفلسطينيين".
دعوة مجلس التحرير الأميركي إلى المطالبة بفرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل، باعتبار أن "وقف إطلاق النار لا يكفي"، وأن "استمرار شحنات السلاح الأميركية هو ما يجعل الجرائم الإسرائيلية ممكنة".
"فشل مؤسسي وتاريخي"
ذكّر البيان بأن "نيويورك تايمز" سبق أن اعتذرت عن أخطائها التحريرية في محطات تاريخية مشابهة، مثل تغطيتها المضللة لأسلحة الدمار الشامل في العراق عام 2003، وتقصيرها في تغطية أزمة الإيدز في الثمانينيات، وحتى إخفاقها في التعامل مع المحرقة اليهودية في أوروبا. وقال البيان إن الصحيفة اعترفت مرارًا بـ"فشلها المؤسساتي"، لكنها "تكرر اليوم الأخطاء نفسها، حين تجعل من الإبادة في غزة موضوعًا للنقاش لا جريمة تستوجب الإدانة".