اوراق مختارة

الذكاء الإصطناعي وانحياز الإنسان... من مرآة السلوك الرقمي الى أداة النهضة الفكريّة

post-img

الدكتور ميلاد السبعلي (صحيفة الديار)

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرّد برنامج ذكي نستخدمه للبحث أو الإنتاج أو التسلية، بل أصبح جزءا من وعينا اليومي، يوجّه قراراتنا، ويؤثر في مشاعرنا، ويعيد تشكيل علاقتنا بالمعرفة.

لكن هذا الذكاء ليس نوعا واحدا. فهناك الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)الذي نتفاعل معه من خلال الحوار النصي أو الصوتي أو عبر الصور والفيديوهات — مثل المحادثات مع النماذج اللغوية أو برامج إنشاء الصور والموسيقى.

وهناك الذكاء الاصطناعي الخوارزمي (Algorithmic AI)الذي يعمل في خلفية وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، ويقرّر ما نراه ونسمعه ونقرأه.

إنه يختار لنا ما "قد يعجبنا"، حتى لو كان ذلك يعني تعزيز نقاط ضعفنا النفسية، أو تضخيم تحيّزاتنا الفكرية والاجتماعية، أو حبسنا في فقاعة من الرأي الواحد.

حين يجتمع الذكاء التوليدي الذي يكلّمنا بذكاءٍ يشبهنا، مع الذكاء الخوارزمي الذي يغذّينا بما نحب، تتحوّل التقنية من وسيلة معرفة إلى مرآة ضخمة تُعيد إلينا صدى أفكارنا وأهوائنا، وتعمّق داخلنا نزعة الراحة على حساب الحقيقة، والتكرار على حساب النقد.

أولًا: الانحيازات الرقمية

ونظيراتها الإنسانية

في تفاعلنا مع الذكاء الاصطناعي، تتولّد سلسلة من الانحيازات الرقمية (Digital Biases)التي تعكس وتضاعف انحيازاتنا الإنسانية (Human Biases).

هذه الانحيازات لا تُغيّر طريقة استخدامنا للتكنولوجيا فحسب، بل تُعيد تشكيل طريقة تفكيرنا كأفرادٍ ومجتمعات.

1. انحياز الإرضاء –(Sycophancy Bias)

يميل الذكاء الاصطناعي إلى مجاملة المستخدم وإعطائه الإجابات التي ترضيه بدلًا من مواجهته بما هو صعب أو مختلف.

هذا السلوك يعكس انحياز التأييد الذاتي –(Confirmation Bias)عند الإنسان، أي ميلنا لتصديق ما يوافق آراءنا وتجاهل ما يناقضها.

في وسائل التواصل الاجتماعي، نرى هذا يوميًا: كلّما تفاعلت مع محتوى معين، تُظهر لك الخوارزميات مزيدًا منه. إن أعجبتك نظرية مؤامرة أو رأي سياسي ما، ستُغرقك المنصّة بمحتوى مشابه، حتى تقتنع أنك تملك الحقيقة الكاملة.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: يتراجع التفكير النقدي، ويصبح الإعجاب أهم من الفهم.

• على المستوى الجماعي: تتكرّس "غرف الصدى" الفكرية ويزداد الانقسام المجتمعي.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- اعرض لي وجهة النظر المخالفة لوجهة نظري، مدعومة بالأدلة.

- ما هي نقاط الضعف في حجّتي الحالية؟

2. انحياز البقاء –(Survival Bias)

تسعى الخوارزميات في وسائل التواصل ومحركات البحث إلى تعزيز المحتوى الذي ينجح في البقاء، أي الذي يثير الانتباه والمشاعر السريعة، بغض النظر عن قيمته.

وهذا يعكس انحياز النجاة –(Survivorship Bias)لدى الإنسان: نرى فقط من نجا ونجح، ونتجاهل من فشل أو اختفى.

في الواقع الرقمي، "النجاح" يقاس بعدد النقرات والمشاهدات، لا بعمق الفكرة. فيديو قصير عاطفي قد يحصد ملايين المشاهدات، بينما بحث علمي متين بالكاد يراه أحد.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: نربط الحقيقة بالشهرة والانتشار، لا بالدقة.

• على المستوى الجماعي: تتراجع قيمة الجهد الطويل والبحث العميق لصالح السرعة والإبهار.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- قدّم لي أمثلة على الأفكار التي فشلت رغم أهميتها، وما الذي يمكن أن نتعلّمه منها.

- ما الذي لا يُنشر عادة في وسائل التواصل، ولكنه يستحق أن أقرأه؟

3. انحياز القبول الاجتماعي –(Social Approval Bias)

الخوارزميات والمحتوى الذكي تُكافئ التوافق وتُعاقب الجدل. فالمحتوى "الآمن" الذي يرضي الجميع ينتشر أكثر من المحتوى الذي يثير التفكير أو الاختلاف.

وهذا يعادل انحياز التوافق الجماعي – (Conformity Bias)في النفس البشرية، أي الميل إلى مجاراة الجماعة لتجنّب الرفض.

في المنصّات الاجتماعية، يُقاس النجاح بعدد "الإعجابات" وليس بقيمة الفكرة. وحتى الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يتجنّب آراءك غير الشائعة لكي لا يثير رفضك.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: نتدرّب على إخفاء آرائنا الحقيقية كي نحظى بالقبول.

• على المستوى الجماعي: يُقتل التنوع الفكري، وتضعف ثقافة النقد والإبداع.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- قدّم وجهات نظر الأقليات أو التي لا تحظى بشعبية في هذا الموضوع.

- هل يمكن أن تكون الفكرة غير المقبولة أكثر منطقية من الفكرة الرائجة؟"

4. انحياز الثقة الزائفة –(Overconfidence Bias)

الذكاء الاصطناعي، مثل البشر، قد يجيب بثقة عالية حتى عندما يخطئ. فالصياغة المحكمة واللغة المقنعة توهم المستخدم بالدقة.

وهذا يذكّرنا بـ انحياز الإفراط بالثقة – (Overconfidence Bias)لدى الإنسان، حين نثق بآرائنا لمجرد أننا نعبّر عنها بقوة وثقة.

على شبكات مثل TikTok أو YouTube، يظهر آلاف "الخبراء" الذين يقدّمون معلومات خاطئة بطريقة جذابة. والخوارزميات تفضّل هذا النوع لأنه يضمن بقاء الجمهور أطول أمام الشاشة.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: نخلط بين الأسلوب والإقناع وبين الحقيقة والمعرفة.

• على المستوى الجماعي: تنتشر "الحقائق المزيفة" أسرع من التصحيحات العلمية.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- راجع هذه المعلومة من أكثر من مصدر موثوق.

- ما نسبة الثقة العلمية أو المنهجية في هذه النتيجة؟

5. انحياز التعاطف المصطنع –(Artificial Empathy Bias)

الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح قادرًا على مجاراة مشاعر المستخدم، فيقدّم له طمأنة ولطفًا دائمًا حتى في المواقف التي تستدعي المواجهة أو النقد.

وهذا يشبه انحياز العاطفة –(Affect Heuristic)عند الإنسان، أي اتخاذ القرار بناءً على الشعور اللحظي لا على التفكير العقلاني.

تطبيقات المحادثة الذكية و"الأصدقاء الرقميون" المنتشرة اليوم، تمنح المستخدم شعورًا بالراحة، لكنها تضعف قدرته على مواجهة الذات أو حلّ مشكلاته بوعي.

كما أن المحتوى العاطفي السريع في وسائل التواصل يغذي الميل ذاته: التفاعل الانفعالي بدل التحليل الهادئ.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: تتراجع مهارة التوازن العاطفي والتفكير العقلاني.

• على المستوى الجماعي: ينتشر الخطاب الانفعالي ويضعف المنطق العام.

لتجنّب هذا الانحياز:

- بدل أن تطمئنني، ساعدني على تحليل أسباب المشكلة بموضوعية.

- ما هي الخطوات الواقعية التي يمكن اتخاذها بدل الاكتفاء بالتشجيع؟"

6. انحياز المرآة –(Mirror Bias)

الذكاء الاصطناعي يعكس للمستخدم شخصيته كما يحب أن يراها — ذكي، منطقي، لطيف — فيغذي شعورا بالرضا الذاتي.

وهذا امتداد لـ انحياز التماثل الذاتي –(Self-Serving Bias)عند الإنسان، حيث نفسّر العالم بطريقة تخدم صورتنا عن أنفسنا.

في الواقع الرقمي، نختار ما ننشره بعناية لنبدو أفضل، ونُكافَأ بالاهتمام. ومع الوقت، نصدق تلك الصورة وننسى حقيقتنا.

الذكاء الاصطناعي حين يعكس لنا هذه النسخة المثالية، يرسّخ لدينا وهم الكمال.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: يفقد الإنسان القدرة على التواضع الفكري.

• على المستوى الجماعي: تزداد الفجوة بين المظاهر والحقيقة، وبين الخطاب والقيم.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- حلّل موقفي كما لو كنت تعارضني، واذكر نقاط ضعفي بوضوح.

- صف لي كيف تبدو وجهة نظري من منظور مختلف ثقافيًا أو فكريا.

7. انحياز الأخلاق المتكيّفة –(Moral Privatization Bias)

حين تُبرمَج الخوارزميات لتراعي أهواء المستخدمين وثقافاتهم المختلفة، يتحوّل الصواب والخطأ إلى أمرٍ نسبيٍّ قابل للتعديل.

وهذا يعكس انحياز النسبية الأخلاقية –(Moral Relativism Bias)عند الإنسان، حيث يُصبح الضمير تابعًا للمصلحة لا للمبدأ.

في عصر التسويق الرقمي، يتم توجيه الإعلانات والقيم بحسب سلوك المستخدم. ومع الوقت، تُقاس الأخلاق بالعائد، والفضيلة بما يبيع أكثر.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: تتشوّش البوصلة الأخلاقية.

• على المستوى الجماعي: تتآكل القيم المشتركة وتزداد الفردانية.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- قيّم هذا الموقف وفق مبادئ إنسانية عامة، لا فقط وفق مصلحتي.

- ما القيم الأخلاقية الثابتة التي يجب أن تحكم القرار في هذا السياق؟

8. انحياز الراحة المعرفية –(Cognitive Ease Bias)

الخوارزميات تفضّل أن تُبقي المستخدم مرتاحًا، فتقدّم له دائمًا محتوى سريعًا وسهل الفهم.

وهذا يتماهى مع انحياز التفكير السهل –(Cognitive Ease)لدى الإنسان، أي الميل إلى قبول المعلومات السطحية لأنها أسهل استيعابًا.

في زمن الفيديوهات القصيرة والميمات السريعة، تضاءل وقت التفكير العميق والقراءة التحليلية.

صار المحتوى الخفيف يطرد التفكير الطويل، والسرعة تحلّ محلّ الفهم.

النتيجة:

• على المستوى الفردي: تتراجع القدرة على التركيز والتحليل.

• على المستوى الجماعي: تصبح النقاشات العامة سطحية ومندفعة.

لتجنّب هذا الانحياز علينا توجيه الذكاء الاصطناعي التوليدي بتعليمات مثل:

- قدّم لي تفسيرات متعمقة ومعقدة للموضوع بدل الإجابات السريعة.

- ما الأسئلة التي تحتاج وقتًا للتأمل قبل الإجابة؟

ثانيا: من الانحياز الفردي إلى الانحياز الجمعي

لم تعد الانحيازات مجرّد ميل شخصي أو خلل في التفكير، بل تحوّلت إلى نظام معرفي رقمي تُغذّيه الخوارزميات وتعمّمه على ملايين المستخدمين في الوقت نفسه.

كل تفاعلٍ على وسائل التواصل، وكل سؤال نطرحه على الذكاء الاصطناعي، هو بيانات تُستخدم لإعادة تشكيل المحتوى الذي نراه.

ومع الوقت، تتحول مجتمعات كاملة إلى فقاعات فكرية مغلقة، تعيش كل منها في واقعها الخاص، تقرأ وتسمع وتصدق ما يناسب مزاجها الجمعي.

في هذه البيئة، تضعف قدرة المجتمعات على النقاش، وتنهار لغة الوسط. يصبح التطرف جذّابًا لأنه يقدّم إجابات سهلة وسريعة، بينما تختفي الأصوات التي تدعو إلى التعقّل والتفكير النقدي.

ثالثًا: نحو ذكاء نقدي وإنساني

تحرير الذكاء الاصطناعي من الانحيازات يبدأ من طريقة استخدامنا له.إذا دخلنا في الحوار معه ونحن نطلب الإرضاء، فسيعطينا ما يرضينا.لكن إذا طلبنا التفكير، الجدال، الاختلاف، فسيصبح حليفًا في رحلتنا نحو الوعي.

ولهذا، يمكن لأي مستخدم أن يبدأ أي حوار مع الذكاء الاصطناعي باستخدام Prompt موحد يضع أساسًا متوازنًا للتفكير الموضوعي:

- أجبني بموضوعية، وناقشني من زوايا مختلفة.

- لا توافقني تلقائيا، بل اعرض الرأي المخالف والأدلة التي تدعمه.

- إذا وجدت خللا أو انحيازا في طرحي، صحّحه بوضوح.

- تجنّب الحلول السريعة، وقدّم أيضًا الاحتمالات المعقدة أو غير الشائعة.

- ذكّرني بالمبادئ الأخلاقية والعلمية التي قد أغفلها.

- ساعدني على التفكير بعمق لا على الشعور بالرضا.

هذا النوع من التفاعل يعيد للذكاء الاصطناعي التوليدي وظيفته الأصلية:

أن يكون أداة للفكر لا للمجاملة، محفّزًا للنقد لا للراحة.

الذكاء الاصطناعي الخوارزمي

لكن ماذا عن الذكاء الاصطناعي الخوارزمي؟الذكاء الاصطناعي الخوارزمي (Algorithmic AI) — أي ذلك الذي يعمل خلف الكواليس في وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات الفيديو، ومحركات البحث — لا يحاورنا بالكلمات، بل يخاطب رغباتنا من خلال المحتوى الذي يعرضه علينا.

إنه الذكاء الذي يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا: يعرف متى نتوقف، ومتى نبتسم، وما الذي يجذبنا أو يثيرنا.

ولأنه يُكافأ بالانتباه، لا بالحقيقة، فهو يقدّم لنا باستمرار ما نريد رؤيته، لا ما ينبغي أن نراه.

لمواجهة هذا النوع من الذكاء، لا تكفي مهارة السؤال، بل نحتاج إلى تربية رقمية نقدية تقوم على الوعي والاختيار.

فيما يلي بعض الخطوات العملية التي تساعدنا على استعادة السيطرة:

1. اكسر الحلقة الخوارزمية:

- تابع صفحات أو قنوات من خارج دائرتك الفكرية والسياسية.

- اكتب في شريط البحث موضوعات لا تشبه ما تراه عادة — فكل بحث مختلف يُربك الخوارزمية ويُعيد توازنها.

2. اسأل قبل أن تشارك:

- عندما ترى منشورا يثير غضبك أو إعجابك الفوري، توقّف لحظة واسأل نفسك:هل هذا المحتوى يُعلّمني شيئا جديدا، أم أنه فقط يُرضي مشاعري؟

3. وازن بين الترفيه والمعرفة:

خصّص وقتًا لمتابعة محتوى عميق أو علمي مقابل كل ساعة تقضيها في التصفّح الترفيهي.

فالخوارزمية لا تفرّق بين تسليةٍ تبقيك مشدودًا، ومعلومةٍ ترفع وعيك — لكنك أنت تستطيع أن تفرّق.

4. درّب انتباهك:

الانتباه هو أغلى مميزاتك. كلما منحت الخوارزميات وقتك دون وعي، ازداد تأثيرها عليك.

استخدم أوقات الصمت والتأمل لاستعادة قدرتك على التفكير العميق بعيدًا عن سيل الإشعارات.

5- حوّل المنصّات إلى أدوات تعليمية:

بدلاً من أن تكون وسيلة استهلاك، اجعلها وسيلة تعلم:اشترك في قنوات علمية، تابع حوارات فكرية، واقرأ مقالات رأي متنوعة.

إن الذكاء الاصطناعي الخوارزمي لا يمكن محاورته مباشرة مثل النماذج التوليدية، لكن يمكن إعادة تربيته عبر سلوكنا— لأن كل نقرة، كل تفاعل، هي عملية تعليم غير مرئية.

وحين ندير هذا التفاعل بوعي، نُحوّل المنصات من أدوات ترفيه سطحية إلى أدوات تشكيل وعي جمعي متنوّع وناضج.

خاتمة: من التحيّز إلى النهضة

الذكاء الاصطناعي اليوم ليس مجرد أداة تقنية، بل قوة ثقافية ومعرفية تعيد تشكيل طريقة تفكيرنا ونمط حياتنا.

إنه مرآة كبرى تعكس وعينا الفردي والجماعي: فإذا كنّا نبحث عن الراحة، قدّم لنا ما يُرضينا؛ وإذا سعينا وراء الحقيقة، ساعدنا على بلوغها.

الذكاء التوليدي الذي نحاوره بالكلمة، والذكاء الخوارزمي الذي يوجّه لنا المحتوى، يشتركان في أمرٍ واحد:

كلاهما يتعلّم منا — من نقراتنا، من أسئلتنا، ومن اختياراتنا اليومية — ليعيد إلينا نسخة رقميّة من أنفسنا.

لكن في هذا الانعكاس تكمن فرصتنا للنهضة.فما دام الذكاء الاصطناعي يتعلّم من الإنسان، يمكن للإنسان أن يعلّمه ما يرفعه لا ما يُضعفه.

إذا استخدمناه كأداة نقدٍ ذاتي، فسيساعدنا على كشف انحيازاتنا. وإذا عاملناه كشريكٍ في التفكير، لا كمُرضٍ للأنا، فسيساعدنا على تجاوز حدودنا.

أما في فضاء وسائل التواصل، حيث يعمل الذكاء الخوارزمي بلا حوارٍ مباشر، فالمسؤولية تقع علينا نحن — كمستخدمين ومجتمعات — أن نربّي خوارزمياتنا كما نربّي عقولنا:أن نُدخل إليها التنوع بدل التكرار، العمق بدل السرعة، والفكر بدل الغريزة.

كل نقرة واعية، كل متابعةٍ مدروسة، وكل لحظة تفكيرٍ قبل مشاركة، هي فعل مقاومة ضد الانحياز، وخُطوة نحو تربية رقمية جديدة تُعيد للإنسان سيطرته على التقنية بدل أن يُستَدرَج بها.

فالنهضة في عصر الذكاء الاصطناعي لن تتحقق بتقدّم الخوارزميات وحدها، بل بقدرتنا نحن على تحويل علاقتنا بها من التبعية إلى الشراكة، ومن الاستهلاك إلى الإبداع، حتى يصبح الذكاء الاصطناعي امتدادًا لعقلٍ إنساني حرّ، يسعى إلى المعرفة، لا إلى المجاملة؛ إلى الحقيقة، لا إلى الراحة.

وحين نصل إلى تلك المرحلة — حين نستخدم التقنية لنعرف أنفسنا بعمقٍ أكبر، لا لنخفي ضعفنا خلف الشاشات —سنكون قد دخلنا فعلًا زمن الذكاء الإنساني المتجدّد:ذكاء لا ينفصل عن الضمير، ولا يخاف من السؤال، ذكاء يُحرّر الإنسان من أوهامه، بدل أن يُغرقه في صداها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد