الوكالة الوطنية
صار انهيار القطاع المصرفي واقعاً. يظهر الأمر بوضوح في مؤشرات أصدرها مصرف لبنان أخيراً. فقد انكمشت رساميل المصارف بنحو 75%، وتراجع نطاق عملها من خلال إقفال نحو نصف فروعها بالإضافة إلى تقلص عدد موظفيها إلى نصف ما كانت عليه في 2019. كل هذا، يضع الاقتصاد اللبناني أمام قطاع مصرفي ميّت أو «زومبي»، يعيش شكلاً وليس قادراً على ممارسة أي مضمون فعلي في الاقتصاد.
قبل الانهيار المصرفي كان عدد المصارف يبلغ 57 مصرفاً من بينها 45 مصرفاً تجارياً و12 مصرفاً استثمارياً. ورغم الانهيار المصرفي اعتباراً من نهاية 2019، إلا أنه لغاية اليوم لم يظهر تغيّر واسع في عدد المصارف المرخّصة. ورغم أن مصرف لبنان يترك انطباعاً في تقاريره بأن الحفاظ على عدد كبير من المصارف كأنه إنجاز، إلا أن السبب الوحيد في بقاء هذه المصارف مرخّصة وعدم إعلان إفلاسها، أن عملية توزيع الخسائر المباشرة شبه متوقفة منذ نهاية 2019. عملياً، هناك من يمنع إعلان إفلاس المصارف وتوزيع الخسائر، wسواء أصحاب القرار النقدي في البلد (إدارات مصرف لبنان المتعاقبة)، أو من أصحاب القرار السياسي (في الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة).
الدليل على ذلك، أن كل خطط تسوية الأوضاع المصرفية التي طُرحت حتى الآن تتضمّن الحاجة إلى إفلاس أو دمج جزء من هذه المصارف التي لن تستطيع أن تكمل في حال عاد القطاع للعمل كما كان سابقاً. وبنتيجة هذا الوضع، سجّل تراجع في عدد المصارف التجارية بشكل طفيف من 38 مصرفاً في عام 2019 إلى 36 مصرفاً في يونيو 2025، بينما بقي عدد المصارف التجارية الأجنبية ثابتاً عند 9 مصارف خلال الفترة نفسها. ولكن سُجّل تراجع في المصارف الاستثمارية أو الخاصة.
التدهور في حال المصارف انعكس بشكل كبير من خلال حاجتها إلى التقشّف من خلال خفض النفقات، حيث تقلّصت شبكات الفروع داخل لبنان وخارجه بشكل كبير. فبحسب أرقام مصرف لبنان، انخفض إجمالي عدد فروع المصارف التجارية في لبنان بنسبة 40.2% من 1,058 فرعاً في كانون الأول 2019 إلى 633 فرعاً في حزيران 2025. أما الفروع الخارجية للمصارف اللبنانية، فقد انخفض عددها بنسبة 39.7% من 73 فرعاً في كانون الأول 2019 إلى 44 فرعاً في حزيران 2025. وبعد عام 2019، قلّص عدد من المصارف عملياته الدولية وباع مؤسسات وفروعاً خارجية بهدف تعزيز السيولة.
وبالتوازي مع إغلاق الفروع، انخفض عدد أجهزة الصراف الآلي بنسبة 28.5% من 2,003 أجهزة في كانون الأوّل 2019 إلى 1,432 جهازاً في حزيران 2025. كما شملت إجراءات تقليص الكلفة، اليد العاملة في القطاع المصرفي. ففيما حفّز الانهيار المصرفي هجرة الكفاءات، عمدت إدارات المصارف إلى صرف عدد كبير من الموظفين يتجاوز 10 آلاف موظف. أيضاً لجأ مصرفيون ذوو خبرة إلى التقاعد المبكر أو الهجرة بحثاً عن فرص أفضل، في حين غادر موظفون جدد بسبب تآكل الأجور. ونتيجة لذلك، تقلّصت القوى العاملة في القطاع المصرفي بنسبة 47.7% من 24,783 موظفاً في عام 2019 إلى 12,972 موظفاً في حزيران 2025.