اوراق مختارة

قرار ظني ضد أب يُعنّف ابنتيه وزوجته بوحشيّة ... والدولة تدّعي للمرّة الأولى دفاعاً عن الطفولة

post-img

روجيه ابو فاضل (صحيفة الديار)

في بلدٍ تكرّرت فيه مآسي العنف الأسري، من دون أن تتحرّك الدولة إلا متأخرة، جاء القرار القضائي الصادر عن قاضية التحقيق في جبل لبنان جويل عيسى الخوري، ليكسر الصمت ويعيد الاعتبار للعدالة، بعدما تحوّلت دموع طفلتين في وادي الزينة إلى صرخة هزّت لبنان بأسره.

هذه المرة لم تقف الدولة على الحياد، بل انضمت إلى الضحايا نفسها، مدعيةً باسم المجتمع والإنسان، في خطوة غير مسبوقة حملت توقيع رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي جون قزي، ووضعت حدّا لمشهد التواطؤ والصمت أمام وحشية أبٍ أطفأ سيجارته على جسد طفلته، لتدخل الدولة ممثلة بالقاضي قزي مدعيةً إلى جانب الضحايا.

فقد أصدرت القاضية الخوري قرارا ظنيا بالمدعى عليه يوسف علي المصري، بعد أن ثبت ارتكابه جرائم حجز حرية زوجته وبناته القاصرات، وتعنيفهنّ جسديا ونفسيا، وتعذيبهنّ بشكل متكرر وممنهج.

بدأت فصول القضية في الرابع والعشرين من حزيران عام 2025، حين تلقّت غرفة عمليات قوى الأمن الداخلي اتصالًا من مجهول، أفاد عن احتجاز يوسف المصري لزوجته وبناته الثلاث، في منزله الكائن في وادي الزينة وتعنيفهنّ بوحشية. وبعد دقائق، ورد اتصال آخر من شقيقته إيمان المصري، تؤكد فيه أن شقيقها يعنّف بناته ويحتجزهنّ داخل المنزل، ليباشر مخفر السعديات تحقيقاته فورا، فيكشف عن مشهد مروّع من العنف الأسري.

فقد أفادت الطفلة آمال، البالغة من العمر اثني عشر عاما، أن والدها يضربها وشقيقتها كلما حاولتا الخروج من المنزل، فيما أكدت شقيقتها قمر البالغة عشر سنوات، أنه يطفئ السجائر على جسدها وتحت عينيها، ويعذّبها بالكهرباء ويضربها على رأسها بالهاتف حتى تنزف.

وجاء في تقرير مكتب الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، أن يوسف المصري سجين سابق لمرات عديدة بجرائم السرقة والسلب وتعاطي المخدرات، ومعروف بسلوكه العدواني في المنطقة، إذ وردت عنه شكاوى بإطلاق النار على شقيقه ووالدته وتعنيف والده مرارا، وأن العنف داخل منزله بلغ مستويات خطرة وممنهجة، حيث تتعرض القاصرتان للضرب شبه اليومي، ما أدى إلى كسر ضلع الطفلة الكبرى آمال، وظهور جروح عميقة وحروق في جسد شقيقتها قمر.

وأمام القاضية الخوري أنكَر المدعى عليه ما نسب إليه، فيما أكدت زوجته فاطمة عواد أن أعمال العنف بدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأنه بات شرسا وعدوانيا معها ومع أولاده، مشيرة إلى أنه أقدم على حرق ابنته قمر بالسيجارة، وضرب آمال ضربا مبرحا أدى إلى فكّ كتفها، كما احتجزها وبناته داخل المنزل أكثر من مرة.

وتبيّن أيضا أن والد المدعى عليه علي المصري، اتخذ صفة الادعاء الشخصي ضد ابنه بجرم تعنيف حفيداته وتهديده له، بينما برز التطور الأهم حين أعلنت الدولة اللبنانية ممثلة بالقاضي قزي اتخاذها صفة الادعاء الشخصي للمرة الأولى في تاريخها، مطالبةً بتوقيف المتهم وإلزامه بالتعويض، واتخاذ التدابير التي تؤمن سلامة القاصرات الثلاث ، ومنع تعرضهنّ مجددًا لأي خطر.

وبعد الاطلاع على ورقة الطلب عدد 17837 تاريخ 25 آب 2025، ومطالعة النيابة العامة بتاريخ 20 تشرين الأول 2025، على التحقيقات الأولية والاستنطاقية وسائر الأوراق، خلصت القاضية الخوري إلى أن الأفعال المنسوبة إلى يوسف علي المصري، تؤلف جناية حجز الحرية وتعنيف القاصرين المنصوص عنها في المادة 569 من قانون العقوبات، إضافة إلى جنحتي المادتين 554 و578 من القانون نفسه، والمعطوفتين على قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، لما شكّلته من تهديد لحياة الضحايا، واعتداء على حريتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية. واعتبرت أن العنف الممارس داخل المنزل بلغ مستويات خطرة وممنهجة، وأن القاصرتين تعرضتا للتعذيب الجسدي المفضي إلى كسور وحروق وتشوهات جسدية، وأن زوجة المدعى عليه تعرّضت هي الأخرى للضرب والاحتجاز، ما يجعل الأفعال المنسوبة إليه أفعالًا جرمية ثابتة.

وبناءً على ذلك، قررت القاضية الخوري اعتبار فعل المدعى عليه يوسف علي المصري، من نوع جناية المادة 569 من قانون العقوبات، معطوفة على أحكام قانون العنف الأسري، والظنّ به أيضا بجنح المادتين 554 و578 من قانون العقوبات معطوفتين على القانون نفسه، وإتباع الجنح بالجناية لعلّة التلازم، وإحالته أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان، لمحاكمته وتضمينه النفقات كافة، وإحالة الملف إلى النيابة العامة لإيداعه المرجع المختص، لاستكمال الإجراءات القانونية.

وجاء في نهاية القرار أن الدولة اللبنانية بصفتها مدعية تطلب إنزال أشد العقوبات بالمدعى عليه، تأكيدا لحقها في حماية المجتمع والأسرة والطفولة من أي عنف أو انتهاك، معتبرة أن صفة الادعاء هذه ليست رمزية، بل واجب وطني تمارسه الدولة في سبيل الدفاع عن كرامة الإنسان.

بهذا القرار، خطّ القضاء اللبناني سطرا جديدا في سجل العدالة، حيث لم تعد الدولة متفرجة على مآسي العنف الأسري، بل تحولت إلى مدعية مباشرة، دفاعا عن الطفولة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد