اوراق مختارة

«لجنة الرقابة» في مواجهة «خوّات» المصـارف

post-img

فؤاد بزي (صحيفة الاخبار)

تأخرت لجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي 6 سنوات على إصدار المذكرة الرقم 4/2025 والموجهة إلى المصارف، وبموجبها تمنع «زيادة قيمة أو نسبة العمولات/الرسوم على الحسابات عما كانت عليه قبل 31 تشرين الأول عام 2019 ... أو فرض أي نوع من العمولات أو الرسوم الجديدة التي لم تكن مفروضة قبل هذا التاريخ».

المذكرة صدرت بمفعول رجعي، لكن يبدو أن عدداً كبيراً من المصارف لم يلتزم حتى الآن، ما يعني أن مصداقية اللجنة صارت على المحكّ. إذاً، لجنة الرقابة على المصارف على علم بـ «بلطجة المصارف»، إلا أنها اختارت في السنوات الماضية التغاضي عن ذلك، والآن قرّرت أن تواجه، فهل ستكون هذه المواجهة حبراً على ورق أم رقابة صارمة لإطفاء الجشع المصرفي؟

رغم وضوح مذكرة لجنة الرقابة على المصارف، فإنه بحسب المعطيات المجمّعة ميدانياً، يظهر أن غالبية المصارف لم تلتزم بمضمون المذكرة. بل تواصل حسم العمولات من حسابات الزبائن بشكل فاحش.

فحتى اللحظة لم يظهر أن زبائن المصارف وأصحاب الحسابات لديها تبلّغوا بمضمون هذه المذكرة ولا سيما البند الذي يفرض إبلاغ الزبائن علناً وبشكل مكشوف عن كل أنواع العمولات تطبيقاً للفقرة الثانية من المادة الأولى في المذكرة والتي تفرض على المصارف «وضع بشكل واضح في الأماكن المخصصة للتواصل مع العملاء لائحة مفصلة بالعمولات / الرسوم على مختلف أنواع حسابات الودائع العائدة للأفراد والمؤسسات بما فيها الودائع بالأموال النقدية وحسابات الودائع من غير الأموال النقدية». كما فرضت اللجنة في الفقرة الثالثة من البند أولاً نشر لائحة العمولات والرسوم على موقعها الإلكتروني بشكل واضح وقابل للتنزيل.

أما في مضمون المذكرة، فإن اللجنة طلبت من المصارف تطبيق تعميم مصرف لبنان بما في ذلك عدم زيادة قيمة أو نسبة العمولات والرسوم على الحسابات عما كانت عليه قبل 31/10/2016 وعدم فرض أي نوع من العمولات والرسوم الجديدة التي لم تكن مفروضة سابقاً.

كذلك طلبت إعادة تفعيل الحسابات التي اعتبرتها المصارف راكدة بعد التاريخ المذكور، سواء من الحسابات النقدية أو غير النقدية والتوقف عن تصنيف الحساب راكداً إلا بعد استنفاد جميع وسائل التواصل مع العميل بهدف إعلامه بوجوب تحريك حساباته وتوضيح مخاطر إبقاء حسابه راكداً، ونشر إعلانات توعوية على الموقع الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لتوضيح سياسة وإجراءات تحريك أو ركود الحسابات، وعدم تغيير شروط استيفاء العمولات والرسوم على أي حساب يعتبر راكداً.

وأناطت اللجنة متابعة تنفيذ المذكرة بالوحدة المعنية بتطبيق سياسة أصول إجراء العمليات المصرفية والمالية مع العملاء المنشأة بموجب التعميم 164، على أن تقوم وحدة التدقيق الداخلي بالتحقق بشكل مستقل من التقيد بمضمونها.

في مقابل هذا التعميم، لا يزال سلوك المصارف على حاله. بحسب جولة ميدانية قامت بها «الأخبار» وسألت بعض الزبائن، تبيّن لها أن العمولات والحسابات الراكدة ما تزال كما كانت قبل صدور التعميم المذكور. فعلى سبيل المثال، يسأل أحد المودعين عما إذا كانت المذكرة ستعيد إليه كلّ المبالغ التي حسمها المصرف منه منذ عام 2019، مشيراً إلى أنّ المصارف التي يتعامل معها، ومنذ ذلك الحين، بدأت بفرض مبالغ إضافية بشكل غير مفهوم ومن دون تقديم أيّ إيضاحات.

وتعود هذه العمولات العشوائية إلى مرحلة ما بعد الانهيار المصرفي حين فقدت المصارف مصدر أرباحها الأساسي من توظيف الودائع لدى مصرف لبنان، وفي الوقت نفسه ارتفعت الأكلاف التشغيلية، ما دفعها إلى الحفاظ على الربحية من خلال زيادة العمولات والرسوم التي تستوفيها من الزبائن.

فأصبحت كلّ عملية مالية، مهما زادت قيمتها أو انخفضت، خاضعة لما يمكن تسميته «خوّة» تمارسها المصارف على الزبائن.

ولم تسلم الرواتب والتحويلات وحسابات المودعين العالقة في المصارف من هذه «الخوّة». فقد فُرض مبلغ 10 دولارات شهرياً على كلّ حساب «لولار»، وفقاً لأحد المودعين الذي يملك 3 حسابات في مصرفين مختلفين، بينها حسابان بالدولار وحساب باليورو.

كذلك فُرضت عمولات غير مبررة رغم أنّ «الحسابات غير مفيدة ولا يمكن تحريكها سوى بحدود ما يسمح به التعميم 158». كما إن المصرف «سطا على 720 دولاراً من كلّ حساب في السنوات الماضية من دون وجه حق، لأنّ الدولارات العشرة التي تحسم شهرياً لم تكن موجودة قبل عام 2019».

أيضاً، لم تسلم الحسابات الجارية بالدولار، أو ما يعرف بـ«حسابات الفريش» من منشار العمولات. إذ تحسم المصارف منها من 4 دولارات إلى 8 دولارات شهرياً عند تحويل أيّ مبلغ إليها، حتى لو كانت المبالغ المحوّلة عبارة عن أجور شهرية، ما يعني أنّ قيمة الأجر تصل إلى الحساب ناقصة شهرياً.

وبحسب أجير لبناني يعمل لدى شركة مقرّها فرنسا، فإنه «منذ بداية الأزمة فتحت الشركة حسابات فريش في أحد المصارف لتحويل الأجور عليها، لكن عند كلّ عملية سحب كاش يحسم المصرف عمولة بنسبة 1.25 بالألف، ما يجبرني على سحب المبلغ المحوّل في عملية واحدة».

ويمتدّ حسم العمولات ليشمل الحسابات الجديدة بالدولار. ففي الآونة الأخيرة عاد عدد من الشركات للاعتماد على الحسابات المصرفية لتحويل أجور موظفيها. فوجد عدد من المصارف في هذه الحسابات أيضاً مورداً مالياً إضافياً لرفد موازناتها التشغيليّة.

لذا، بدأت بحسم مبالغ شهرية من هذه الحسابات، يدفعها بطبيعة الحال صاحب الحساب، أي العامل، وتصل قيمة هذه المبالغ إلى 5 دولارات شهرياً.

ولم تنجُ الحسابات المصرفية الجديدة من الرسوم على التحويلات بالدولار. وحتى لو قام من يريد إرسال مبلغ ما إلى الحساب المصرفي بدفع كلّ الرسوم، يقوم المصرف بحسم مبلغ إضافي من الحساب المحوّل إليه.

على سبيل المثال، تعاقدت هدى مقابل مبلغ قيمته 2000 دولار لأداء عمل لشركة دراسات أجنبيّة. ولدى تحويل المبلغ إلى حسابها، اكتشفت أنّ المبلغ المتاح للسحب هو 1985 دولاراً، ما يعني أنّ المصرف حسم مبلغاً قيمته 15 دولاراً. وعملية الحسم هذه تتم شهرياً عند كلّ عمليّة تحويل.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد