اوراق مختارة

المعيشة في لبنان: ما يحتاجه المواطن فعلياً… وما لا يوفّره راتبه إطلاقاً

post-img

مارينا عندس (صحيفة الديار)

خسر لبنان في الآونة الأخيرة عشرات الآلاف من الوظائف، نتيجة الرّواتب المنخفضة التي لا تكفي لتلبية الحاجات الأساسيّة. ومنذ أوائل عام 2019، يواصل آلاف اللبنانيين إحتجاجاتهم للمطالبة بالقضاء على الفساد، وفي ذلك الحين كان الدّولار يساوي 2500 ل.ل وبدأ يرتفع رويدًا رويدًا حتى السّاعة. أمّا اليوم، الوضع بات كارثيًا ولا من حسيبٍ أو رقيبٍ بعد أن أصبح الدولار الواحد يوازي الـ100 ألف ليرة لبنانية. والأزمة لا تقتصر على الرواتب فحسب، بل أيضًا على سوء الإدارات في المؤسسات وعدم إعطاء الموظّف أبسط حقوقه. ومع ارتفاع الدّولار وتخطّيه المئة ألف ليرة، تغيّرت المعاملات في الشركات وبات الإستغلال سيّد الموقف. وفي كلّ مرةٍ يعيش لبنان أزمة أمنية وحروبات واقتصادية، وسياسية، يتراجع وضعه المادي بطريقةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة. فالسلم الأهلي والأوضاع المادية يرتبطان بطريقةٍ واضحةٍ بالمعيشة وتدقّان ناقوس خطر رزق كلّ مواطنٍ.

كم تحتاج العائلة لتعيش بكرامة في لبنان؟

هذا الواقع المرير، دفع "الديار" لمعرفة كم تحتاج العائلة اللبنانية لتعيش بكرامةٍ في لبنان، وكانت النتيجة مخجلة.

وفي دراسةٍ أجرتها "هيومن رايتس ووتش" في أواخر عام 4202، تبيّن أنّ غالبية الناس في لبنان، عاجزة عن تأمين حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية وسط الأزمة الإقتصاديّة المتفاقمة، حيث تتحمّل الأسر ذات الدّخل المحدود العبء الأكبر. هذا ما يعجّل في ضرورة أتخاذ إجراءات عاجلة للإستثمار في نظام حماية إجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوى معيشيًا لائقًا للجميع.

وبحسب ما أكدته لينا سيميت، باحثة أولى في العدالة الإقتصادية في هيومن رايتس ووتش، "دفع للملايين في لبنان إلى براثن الفقر، لذلك اضطروا لتقليص كميات طعامهم".

وبين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، أجرت "هيومن رايتس ووتش" مسحًا على عينة شملت 1209 أسر في لبنان لجمع معلومات حول الظروف الاقتصادية للأفراد وقدرتهم على تحمّل تكاليف الطّعام والأدوية والسكن والتّعليم. وسأل الباحثون الأسر عمّا إذا كانوا يتلقون دعمًا ماليًا أو عينيًا من الحكومة، أو من المنظمات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية. وقال قرابة الـ70 % من الأسر إنهم واجهوا صعوبة في تغطية النفقات أو دفعها متأخرًا. وبلغ متوسط الدخل الشهري للأسر 122 دولارا أميركيا فقط واستمر التضخم في الارتفاع بشكلٍ كبيرٍ منذ إجراء المسح.

ونتيجةً لذلك، شددت هيومن رايتس ووتش على الحاجة الماسة إلى نظام حماية إجتماعية شامل قائم على الحقوق ولا يترك أحدًا، ويلبي حق كل فرد في مستوى معيشي لائق وفي الضمان الإجتماعي الذي يفي بهذا الحق. وينبغي للجهات المانحة والحكومة إدراك المعاناة المنتشرة ووضع نظام يضمن توفير الضمانات الاجتماعية الأساسية، مثل إعانات الأطفال، وذوي الإعاقة، والبطالة، وتقاعد الشيخوخة، حيث تتحمل الدولة مسؤولية ضمان حصول الجميع على الغذاء والدخل بشكل آمن. اما نسب الدخل المحدود للغاية كانت عالية: على الصعيد الوطني، يكسب 40% من الأسر تقريبًا 100 دولار أو أقل شهريا ويكسب 90 % من الأسر أقل من 377 دولار شهريًا.

الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة

تظهر تقارير محليةٍ، أنّ "الحد الأدنى للأجور في لبنان أصبح غير قادر حتى على تغطية جزء بسيط من هذه التكاليف، بحيث يغطي أحيانًا يومين ونصف اليوم فقط من متطلبات المعيشة الشهرية. كما تشير دراسات إلى أنّ 70% من اللبنانيين في 2025 يعانون من صعوبة تأمين الحاجات الأساسية بسبب تآكل قيمة الأجور أمام ارتفاع الأسعار".

وبحسب ما أفاده البنك الدولي بحسب تقريره عام 2023، بعنوان "Lebanon Poverty and Equity Assessment 2024: Weathering a Protracted Crisis" ارتفع معدل الفقر من 12% في 2012 إلى 44% عام 2022. ويفيد التقرير بوجود تفاوت كبير في الفقر بين المناطق: في عكار، مثلاً، وصلت نسبة الفقر إلى نحو 70%.

وتحتاج أسرة مكونة من 5 أشخاص في لبنان إلى ما لا يقل عن 627 دولارًا في الشهر لشراء حاجاتها الأساسية الضرورية التي تمثّل حدًا من حدود الفقر. أمّا الإنفاق الشهري المطلوب للبقاء على قيد الحياة لا يقل عن 492 دولارًا، بحسب سعر الصرف الجاري، وفق ما توصل إليه تقرير جديد صادر عن برنامج الأغذية العالمي.

لا يتضمن هذا المبلغ جميع الحاجات الأساسية لمعيشة الأسرة، وإنما كلفة «سلة الإنفاق الأدنى» وفق الأسعار في آذار 2025، وهذه سلة تقشفية جدًا لا تحتوي سوى على 2100 سعرة حرارية للفرد في اليوم من المغذيات الأساسية والفيتامينات، بالإضافة إلى تكاليف الحد الأدنى للسكن وخدماته وغاز الطهي والتدفئة، والنقل، والصحة ومواد النظافة الشخصية، والملابس.

وهنا السؤال: هل الحد الأدنى للأجور يعتبر منصفا للمواطن؟ أين القانون من ذلك؟

تنصّ المادة 44 من قانون العمل اللبناني، الصادر عام 1946، على "أن الحد الأدنى من الأجر يجب أن يكون كافيًا ليسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته على أن يؤخذ بعين الاعتبار نوع العمل ويجب أن لا يقل عن الحد الأدنى الرسمي".

إذًا، يفرض القانون أن يكون الحد الأدنى للأجور كافيًا لشراء الحاجات الأساسية للعامل وأسرته. إلا أن الحد الأدنى للأجور المعمول به حاليًا لا يغطي سوى 41% من كلفة الحاجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة وأقل من 32% من الإنفاق عند حد الفقر، وحتى مع رفعه إلى 28 مليون ليرة (أو 313 دولارا) وفق ما توصلت إليه لجنة مؤشر غلاء المعيشة ولم يُنفّذ بعد، فهو سيبقى قاصرًا عن سدّ هذه الفجوة، ولن يغطي سوى 63.5% من الإنفاق الأسري للبقاء على قيد الحياة و50% من الإنفاق الأسري عند حد الفقر.

في السياق عينه، يؤكّد المحامي مأمون ملك للدّيار، أنّ "قيمة الضّمان الإجتماعي، لم تعد قادرة على تغطية النفقة، بالإضافة إلى الأدوية".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد